الأحد، 13 سبتمبر 2020

عزفتْ عن الزواج بعد وفاة زوجها !!


استكتبني أخ فاضل في الرد على امرأة صالحة توفي عنها زوجها وهي شابة، فعزفت عن الزواج بعد وفاة زوجها وفاء له، رغم كثرة خطابها من الصالحين.. فطلب إلي نصحها واقناعها بالعدول عن ذلك. 

 فخطت أناملي لها ولأمثالها ما يلي: 

ما أروع خلق الوفاء وما أنبله!!، وما أروع المتصفين به!!، ترى النفوس تهفو لسماع قصص الوفاء وتأنس برؤية صوره، وتقف باحترام وتقدير أمام أهل الوفاء لسخاء عطاءهم، ونقاء معدنهم، وطيب أصلهم، وكلما كان بين جنبينا قلبا رقيقا ومشاعر مرهفة؛ كلما طربنا بقصص الوفاء في أي زمان كانت، وفي أي مكان حدثت. لأن عواطفنا حين تنبض بحب أحدهم بصدق فإنها تجند القلب والعقل لأجل إسعاده، وبذل كل ثمين في سبيل ذلك. وحين نصاب بفقد هذا الحبيب بموت فإن عواطفنا وقلوبنا - تلك المضغ الرقيقة - تعلن الحداد عليه، فلا عجب أن ترى المحب بعد فقد حبيبه وقد نئا بنفسه عن مباهج الحياة، يعاقب نفسه على فقدٍ لم يكن بيده، فيحاول منع أفلاكه من الدوران حسب ظنه، وهيهات لها أن تتوقف عن الدوران، فسنة الكون أن تستمر الحياة، وتبرأ الجراح، وتجود السماء بغيث مدرار، فتنبت الأرض من بعد جدب، وتتفتح الأزهار ثانية..

 وليس ثمة مشاعر وفاء أجمل من تلك التي تترجم فعلا يصل الى المحب حيث هو فتسعده، ولا سبيل لذلك إلا بالقنوات التي حددها الشرع إذا مات ابن آدم وانقطع عمله، وأما الحداد عليه والحزن ومعاقبة النفس على فقده فلن يصل إلى الميت ولن يسعده. 

 فلأي شيء نكبل أنفسنا عن أن نعيش سعداء نبحث عما يسعدنا ويجعل حياتنا أكثر راحة وهدوءا؟!!

 ألم يأمرنا ديننا ب (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)؟

 أليس ألقاء أنفسنا في براثن الوحدة والمعاناة إهلاك لها؟؟ 

 أليس تكبيل الفؤاد عن مشاعر الحب وأدٌ للروح؟؟ 

 أليس اعلان الحداد الأبدي ظلم للنفس؟؟ 

 ألا يمكن لتلك المرأة التي فقدت زوجها وحبيبها أن تعاود الزواج ثانية وتعطي نفسها فرصة أخرى؟؟، فلنفسها عليها حقا. 

 نعم أوافقها أن نسيان الحبيب الذي مات هو ظلمٌ لذكراه، وكذلك قتل قلبٍ حيٍّ وتعذيبه هو ظلم أيضا، وقد يكون الأخير منهما أشد ظلما وبشاعة من الأول. فلا شيء يحول بين قلب أوجعه طول الحزن؛ وآلمه علقم الفراق من أن ينبض بالحب مرة أخرى سوى الموت، ومادمنا أحياء فلم نتقمص دور الأموات؟!!


 ولو أننا تأملنا في الأمر بمقاييس العالم الآخر؛ ترى هل ينتظر زوجها الذي لقي ربه، وعاين حقائق الموت، ورأى الملائكة، وعاين نافذة من الجنة أو من النار تطل عليه في قبره.. ترى هل ينتظر وفاءها له وبين يديه حياة برزخية يرقب انتهاءها بقيام يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت؟؟.


   وهل يا ترى إذا كتب الله دخول ذلك الزوج للجنة بعد أهوال يوم عصيب وقد رزقه الله فيها عشرات من الحور العين.. ترى سيحزن أو يداخل قلبه ألم لأنه لم يجد زوجته ضمن زوجاته؟!! مع العلم أن الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه قد يخير المرأة بين أحب أزواجها إليها وأفضلهم عشرة لها ليكون زوجها في الجنة (على قول من أقول العلماء في هذه المسألة)، فإن لم يكن الأمر كذلك أو كان هذا القول ضعيفا فإننا نعلم علم اليقين أن الله تبارك وتعالى بعظيم منه وكرمه لا يحزن أحدا على أحد، فهناك حيث الجنان.. لا غل هناك ولا هم ولا حزن، بل أفراح وسعادة، ورضا عن الله وعن النعيم الذي خص به عباده في جنات النعيم. 

 ولو أن وفاء المرأة لزوجها المتوفى عنها - بكونها تمنع نفسها من الزواج بعده - يعد من المكرمات لما فات ذلك نساء خير القرون (الصحابيات)، ولتواصين على فعل ذلك، ولكن هذا لم يحدث، ودوننا التاريخ يشهد، فسير السلف لم تفتأ تحكي عن صحابيات مات عنهن أزواجهن فتزوجن بعدهم بآخرين. هذا لأنهن استوعبن أن الحياة الدنيا إنما هي ممرّ تحفه الابتلاءات، يأخذ بنا نحو الآخرة، وأن هدف كل واحدة منهن هو أن تحسن لنفسها في هذه الرحلة بعبادة الله وطاعته، وعليه فإن كل ما يؤنسها الله به من رفيق وحبيب في هذه الرحلة سواء أكان زوجا أو ابنا أو أبا أو أخا فهو نعمة من الله، ولن تتوقف الحياة ولن تفشل بفقدهم أو فقد أحدهم، لذا فهي تنظر في أمر نفسها بعقل وحكمة، فإن رأت أنها بحاجة لرجل يعينها على الوصول إلى هدفها الأسمى وهو مرضاة الله؛ فعلتْ، ولم تتشدق حينها بعبارات وطقوس الوفاء التي لا فائدة للميت منها. 

 وحقيقة لو أن لمنع المرأة نفسها من الزواج فضل أو عظيم أجر أو مصلحة في الدنيا ورفعة في الآخرة؛ لدلنا على ذلك المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، ولنبهنا - معشر النساء - على ذلك، فهو يقينا لم يفته خيرا إلا أرشدنا إليه ودلنا عليه. 

 يبقى الأمر الأهم من وجهة نظري هو: ألا تقدم أي امرأة توفى عنها زوجا تحبه على الزواج حتى يتأكد لها أنها بحاجة حقيقية لمن يستكمل معها مشوار الحياة ليكون لها سندا ومعينا، سواء كانت وحدها أو كان لها أبناء بحاجة لأب يأخذ بأيديهم وينفق عليهم ويرعاهم، ولتعلم - رعاها الله - أن التمهل والتأني في الاختيار مطلب لا تنازل فيه ولا مجاملة، فلا مجال من وجهة نظري للقبول برجل أقل نبلا وخلقا وكرما وصلاحا من الرجل الذي فقدته، فإما زواجا مدروسا متكافئا يعينها على العيش براحة بال لتتفرغ لطاعة الله وحسن عبادته؛ وإلا فلتبق على حالها، فأرملة وحيدة حزينة منشغلة بعبادة الله خير عندي من امرأة شقية تعيسة بزوج يكدر عليها صفو حياتها، ويفسد عليها دنياها وآخرتها، ويشغلها عن طاعة الله وحسن عبادته. 

 والله الله في الدعاء وكثرة اللجوء إلى الله تبارك وتعالى بأن يرزقنا وإياكم خيري الدنيا والآخرة، وأن يلطف بنا ويرحم ضعفنا، ويسترنا بستره الجميل حتى نلقاه وهو راض عنا غير غضبان.

 هذا ما لدي من نصح لهذه المرأة.. وأسال الله أن يوفقها للخير ويعينها على طاعته وحسن عبادته. بنت اسكندراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق