الأربعاء، 8 فبراير 2023

تَحْتَ الرُّكَامٍ ثَلاثَةُ رِجَالٍ!

تحت الركام ثلاثة رجال، لا يدري أحدهم بالآخر ولا يسمع صوته، وجميعهم يدركون أن خروجهم من تحت ركام مبنى مكون من عشرة طوابق - انهار بسبب زلزال عنيف - لهو ضرب من ضروب المستحيل.

أما الأول منهم فهو يصيح بذعر وقهر: لم يارب تفعل بي هذا؟ ماذا فعلت لك لتصنع بي هذا؟ ألم يكفيني ما بليتني به من مصائب؟ أتنتقم مني وأنا الضعيف؟.. أي منطق هذا؟ 
الناس حولنا يعيشون في رغد من العيش ونحن نعيش بؤسا يعقبه بؤس.. فأي عدل هذا؟ إذا أتتنا المصائب من البشر قلنا بشر وصببنا جام غضبنا عليهم.. فماذا نفعل إذا جاءتنا المصائب منك؟ يارب إذا أردت قبض أرواحنا فلم تعذبنا أولا؟ ألست الرحيم؟ فأين رحمتك؟ 

وأما الثاني فهو أيضا يصيح بخوف وقلق: يا ناس انقذوني! أنا هنا تحت الكرام! يا أبي.. يا أمي.. يا أخي.. لا تتركوني! يارب اجعلهم يصلون إلي عاجلا غير آجل ! يا فرق الإنقاذ أين أنتم؟ لم لا أسمع أصوات الرافعات والحفارات! هل هناك من يسمعني؟ تعبت والله من الحياة فأغيثوني! لا يعقل أن كارثة كهذه لم تستدعي تدخلا دوليا؟ أين المتطوعون؟ هل هكذا تتعاملون مع البشر؟ أحشرة أنا حتى أموت تحت الركام هكذا؟ يارب سخر لي من ينقذني!

وأما الثالث فهو هاديء مستكين يذرف دموعه بصمت وأنين، يتلو القرآن تارة ويبكي تارة وهو يناجي ربه: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحانك ربي ما أرحمك ما أعدلك ما أعظمك! إن أحببت عبدا ابتليه! فاللهم خفف بلوتي وفرج كربتي، وسبب الأسباب لنجاتي، اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي! يارب غمسة في الجنة ستنسينا البؤس كله.. اللهم فصبرنا حتى نلقاك وانت راض عنا! 

هذا حال الثلاثة تحت ركام ذلك المبنى.. وهناك أصناف من الركام تحتجز المرء تحت ثقلها وقسوتها، فهناك ركام الهموم، وركام العجز، وركام الديون، وركام القهر، وركام المرض، وركام السجون.. كلها تجثم على صدر صاحبها حتى تكاد تودي بحياته إلا أن يشاء الله له فرجا. 

نحن لا نختار الركام الذي سنُبتلى به، ولا نعلم الغيب لنخمن أي ابتلاء سيبتلينا الله به، غير أننا يمكننا أن نختار أي الرجال الثلاثة نريد أن نكون؟ وللعلم فكلهم من المسلمين غير أن الإيمان في القلوب درجات. 

فإذا كان حال الثالث أحب إلى نفسك فاعلم أن وراءك استعداد عظيم، وتربية للنفس، وإيمان بوعد الله، وإدراك لماهية الدنيا، وتصديق بما وعد الله به عباده، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وحسن أدب مع الله مع حسن ظن به، وطاعة في السر، وصنائع معروف، ودعاء في جوف الليال، وعبادات في الرخاء.
ثم سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة وأن يقبضنا إليه غير خزايا ولا مفتونين، وأن يفرج هم المهمومين من المسلمين ويفرج كربهم ويرحم ضعفهم ويجبر كسرهم. 

هناك 7 تعليقات:

  1. مقال رائع يستخق النشر

    ردحذف
    الردود
    1. جزاك الله خيرا على هذا المقال الجميل أسأل الله أن يجعلنا عند البلاء من الصابرين و عند النعماء من الشاكرين
      اللهم إنا نسألك نفوس بك مطمئنة تؤمن بقدرك و ترضى بقضائك وتقنع بعطائك

      حذف
  2. اللهم بارك

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا كثيرا. ..اللهم اعفوا عنا

    ردحذف
  4. جزاك الله خيراً

    ردحذف
  5. اللهم اجعلنا من الراضين المحتسبين ولاتاخذنا الا وانت راض عنا
    من اجمل المقالات التي قراتها....بارك لله فيكم استاذتي.

    ردحذف
  6. جزاك الله خيراً ♥️

    ردحذف