الأربعاء، 30 مارس 2016

قالت لي منفعلة: للأسف أنت لا تعرفين الرجال إذن!

قالت لي منفعلة: للأسف أنت لا تعرفين الرجال إذن!
قلت بهدوء: نعم صحيح، كلامك صائب إلى أبعد حد، أنا حقا لا أعرف الذئاب البشرية التي تتحدثين عنها ولم أصادف واحدا.. والسبب أنني محاطة بنخبة رجال هم من أرقى البشر في زماننا هذا.. فلم التقي في حياتي برجل منحط خسيس مستغل جشع مهين للمرأة.. إلا واحدا، وقد كان ذلك منذ زمن، وقد اعتبرته شاذا عن كل الرجال، وأرجعت محاولاته لتحريري من قيود الالتزام = لفكره اللبرالي المتشدد، وباستثناء هذا الرجل لم أعرف غير صور هي غاية في النقاء والروعة..
فهناك أزواج أخواتي، وإخوان وأصدقاء زوجي، وزملائي في الدراسة والعمل، وأصدقاء والدي (رحمه الله)، ومعارفنا.. كلها نماذج راقية تبعث في نفس أي امرأة الشعور بالأمان، حتى يكاد يستقر في نفسها أن هؤلاء الرجال هم بمثابة اخوة لها.. نعم تتفاوت اخوتهم وصدقهم ونقاء قلوبهم، لكنهم يبقون صورا لا تشبه الذئاب بأي حال.
فلا تلومي جهلي بعالم الذئاب البشرية الذي تتحدثين عنه!

قالت بمرارة: ربما لأنك محاطة بأهل القرآن!

فصمتُ طويلا ورحت أتأمل واستعرض أغلب من أعرف.. ثم وجدتني أقول لها:
صدقت والله، ربما هذا السبب إذن!

وباستطراد أضفت:
لكن ثمة سبب آخر يسهم في صنع هذه اللوحة المثالية النقية في عيني.. ألا وهو أن المرأة المتزوجة هي أكثر النساء شعورا بالحرية الآمنة.. ثمة حريات غير آمنة تلقي بصاحبتها في غابة متنوعة المخاطر والأشراك.. غابة يسكنها أصناف من السباع والوحوش، سواء أكانت تمارس حريتها هذه في كنف أب أو أخ أو كانت مطلقة أو أرملة.. وتلحق بهؤلاء المرأة التعيسة في حياتها مع زوج سيء التعامل أو ربما زوج غيور شكاك.

أما المرأة التي تتمتع بالحرية الآمنة؛ تجدينها تنطلق في دراستها الأكاديمية لتحصل أعلى المراتب، وتلك التي تدير تجارة او أعمالا؛ تجدينها تبدع في مجالها ولربما تنافس الرجال حولها بكل جرأة وثقة، وهي دائما ما تحسن التعامل مع أساتذتها ومدرائها وزملاءها في المجال الذي تنخرط فيه.. بل وتشعر بقدر هائل من الحرية والأمان بينهم لأنهم يعاملونها باحترام بالغ وأدب جم.

لكن أتصور أن هذا الاحترام وهذه المثالية لا تستمر لها هكذا على الدوام!!. لأنها إذا قدر الله عليها بأن طلقت أو رملت فستشعر أنها كمن جردت من دروعها في ساحة وغى، وإذ بالرجال الذين عاشت بينهم آمنة مطمئنة تتساقط عن وجوههم أقنعة البراءة والوداعة، الواحد تلو الآخر، لتكتشف المسكينة أن غالبية هؤلاء يمتلكون مخالب الوحوش..

قلة فقط منهم من سيبقون سندا لها، وكتفا قوية تستند عليها في الملمات، تأمن في وجودهم كما تأمن في وجود محارمها، قلة هم من سيبقون على رجولتهم, ونخوتهم, ووفاءهم, واخلاصهم.

ولأني بفضل الله لم أجرب أن أفقد حريتي الآمنة تلك حتى هذه اللحظة؛ لذا فأنا حقا أرفل في جنان الحرية.. فمثلا ها أنت ترينني أطلق قلمي أينما شئت لأكتب عن الأدب وعن الجمال, أحلق في بحر سطوري جادة تارة, وتارة أخرى ساخرة متهكمة, وترينني أنسج من النثر بوح العشاق، وأغازل بمدادي أذواق الأدباء, أفعل ذلك بحرية لا يحدها سوى سياج من تقوى الله ومراقبته، ولا أحد يهمني بعد ذلك, فمساحات الحرية الممنوحة لي لكوني متزوجة من رجل رائع ناضج متفهم هي مساحات رحبة آمنة بفضل الله.


 لكنني أعتقد جازمة أنني لو فقدت هذه المكانة ـ لا سمح الله ـ فحتما لن أكون أنا أنا, وأظنني سأعتزل الناس, وسأتوارى عن الأعين مخافة أن أرى الأقنعة تتساقط من على وجوه أثق فيها وأجلها، وأكاد أجزم أنني سأهجر الكتابة التي أعشق.. إلا إذا كانت كتاباتي جادة حد الألم وحد السيف الصارم, أو ربما سأضطر لأن أكتب ما أحب ولكن بأسماء مستعارة..

لكن حفصة التي تعرفين لن تعود كما تعرفين.. عافانا الله من كل بلاء وفقد ومصيبة.

بنت اسكندراني
21 جمادى الآخر 1437هـ