الخميس، 28 يوليو 2016

أنا وأنت .. وقبو الذكريات!

أنا وأنت .. وقبو الذكريات!
📂⚰📂⚰📂⚰📂

أمتلك قبوا في ذاكرتي للنسيان.. فيه تجتمع ملفات النسيان التي تُحذف من الذاكرة مع التقادم، لكنها قابلةٌ للاستعادة.. ليس في حالاتِ تذكرٍ اعتياديةٍ؛ وإنما أستعيدها عادةً بعد حدثٍ مفاجئٍ يشبه أحداثَ تلك الذكرى، أو عقب هزةٍ أرضيةٍ عنيفةٍ بفعل فاعل تصيب قبو ذكرياتي ذاك!
وحين يحدث ذلك؛ تخرج الذكرى منه كمومياء مكفنة يعلوها الغبار، حتى أنا أخشى الاقتراب منها وأرتعب، لكنها تصر على الاقتراب مني بينما شرائط الكفن البيضاء المغبّرة تتساقط عنها الواحدة تلو الأخرى كاشفة ملامح وجهها، فإما أن أتعرف إليها فأسرع نحو الشرائط لأزيلها، وأنفض عنها ذاك الغبار، وأصطحبها معي خارج القبو الموحش، وإما أن أنكرها وأتراجع عنها مستوحشة لأنزوي في الزاوية البعيدة أرقبها من عليٍّ وهي تتخبط هنا وهناك.. تبحث عني كيما أساعدها، فإذا حانت لي فرصة للهرب تسللت وحدي من القبو خلسة وأغلقته خلفي بإحكام، ولربما وضعت فوق بابه صخرة لكي تيأس من الخروج فتضطرها الوحدة للرجوع إلى مكانها، فتعود لوضعية الأموات من جديد.

وفي قبو الذكريات المنسية هذا ثمة خزانة خصصتها للذكريات التي أتعمد نسيانها مع سبق الإصرار والترصد، وعلى رفوفها وفي أدراجها أودعتُ الكثير من الذكريات التي أقنعت عقلي اللاواعي بأني نسيتها، بينما عقلي الواعي يدرك كم أنا كاذبة!

و كلما نزلت إلى القبو أتلمس غرضا اختلست النظر إليها من بعيد، ثم غضضت الطرف وتشاغلت عنها حتى لا يجذبني الحنين إليها فأضيع.

باختصار يا سيدي هذا قبوي الذي أعرف، لكن مؤخرا اختلف الوضع فيه قليلا..
 ففي ذلك القبو.. هناك أنا المنسية، وأنا التي أتعمد نسيانها، وهناك أنت..

نعم هناك أنت أيضا تحتل الأدراج والأرفف، بل وتفرض وجودك على سائر مساحات القبو!، فأرى وجهك ماثلا أمامي حين أنزل قبو الذكريات، وحين أغلق القبو وأضع عليه تلك الصخرة الثقيلة وأنصرف أيضا أراك!!.
فلا القبو قادر على احتواءك ولا الصخرة قادرة على احتجازك!

نعم رحلتَ بقسوة وتركتني، وأجزم أنك الآن نسيتني.. لكن ذكرياتك يا سيدي قد استوطنتني، وطيفك الباغي أعلنه احتلال!

أعترف.. حاولتُ تحجيمك بعد رحيلك بكل الوسائل, وأعترف أن القبو كان مشروعا فاشلا لاحتوائك؛ فأنا أراك يا سيدي تتوسط مسرح ذكرياتي بطلا، وأراك في جميع الشرفات جمهورا.. وخلف الكواليس مخرجا ومؤلفا..

لا بأس.. سأشاهد مسرحياتك حتى يمل طيفك المحتل.. فحتما ستنتهي كل السناريوهات، وحتما سيخبو بريق عينيك، وستتصاغر قامتك، ويدب الوهن بين جنبيك، حتى تدفعك الأيام وحدها إلى قبو الذكريات دفعا، حينها سأقنع العقل الواعي هو الآخر بأن ينساك، وحين تدب الحياة يوما في مومياء طيفك سأطلق رصاصة قاتلة نحوها لأبيدها للأبد.

بقلم/حفصة اسكندراني