الاثنين، 30 مارس 2015

أَبي أَدْرِكني.. فَأَنا لَا أُؤمِنُ بِالإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ يا أَبِي!.. (حوار تربوي)

تذكرت منذ ثلاث سنوات تقريبا موقفا حدث لي مع والدي , فاسترجعت تفاصيله, وكلما تذكرت منه جزءا كلما رغبت نفسي في تدوينه وحكايته عل الله أن ينفع به, ثم إني حينها هرعت إلى أوراقي فكتبت مقالين, الأول قدّر الله له أن يرى النور, وقد كان بعنوان: علمني الحوار يا أبي! عَلِّمْنِي الحِوَارَ يَا أَبِي!!
أما الثاني ـ وهو الذي سردتُ فيه موقفا حدث لي ـ تأخر نشره عن أخيه, بل ونُسي تحت أكوام الخواطر والمقالات المهملة.. ولا أدري ما الذي ذكرني به بالأمس, فهرعت إليه أستخرجه, وأزيل ما لحقه من غبار الإهمال, لأجهزه للنشر.. وإن لأسأل الله العلي العظيم أن ينفع به.

أَبي أَدْرِكني.. فَأَنا لَا أُؤمِنُ بِالإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ يا أَبِي!
حينما كنتُ أدرس في المرحلة المتوسطة واجهتُ مشكلة عقدية كدرتْ علي صفائي وأزعجتني, وكلما حاولتُ نسيانها والتغافل عنها عادت بقوة إلى ذهني وتفكيري.
ومشكلتي هذه كانت مع حادثة الإسراء والمعراج!
نعم لقد كنت مؤمنة بالقصة إيمانا عاما يقتضيه تسليمي بكل ما يخبرني به ديني, لكني في الحقيقة كنتُ أجد صعوبة في تصديق ذلك بعقلي الذي لم ينضج بعد, فكيف يسافر الرسول  منذ ألف وأربعمائة سنة من مكة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء ليعود إلى مكة وفراشه لم يبرد بعد؟!, ولِـمَ هما رحلتان معجزتان في ليلة واحدة؟ ربما لو كانت واحدة لكانت إلى الاستيعاب والتخيل أقرب, وكنتُ أتمادى في حديث نفسي ذاك حتى أقول: وهل يلام المشركون في تكذيبهم خبر الإسراء والمعراج؟!! حينها أنتفض من هول ما أصل إليه.. فأستعيذ بالله من سوء خواطري, وأتلفظ بإيماني بالإسراء والمعراج بالصوت حتى أخرس ذلك الصمت, فكأنما أنفي بلسان مقالي ما قلته بلسان حالي وخيالي, لكن يبقى إيماني بهذه الحادثة النبوية مشوها مهترئا.. أتى عن غير اقتناع, فحاولتُ منع نفسي من مجرد التفكير في الأمر وتفاصيله ومدى صعوبته وما هي طريقته وأدواته...الخ, لكن منع النفس عن التفكير يقود أحيانا إلى المزيد من الاستغراق في التأمل!, فأعيتني نفسي وخشيت أن يرق إيماني فأحدث فيه حدثا يهلكني فيؤاخذني الله بما أخفيت في صدري, فعزمت على البحث عن حل خارجي يسعفني.
وبالفعل قصدت والدي ـ  ـ في هذه المشكلة, وكان والدي رجلا شديدا يهاب الرجال مخاطبته, فكيف بالنساء والصغار؟, وقد جئته في أمر ليس بهين.. إنه يمس الإيمان بثوابت الدين, وكان والدي ممن ينتفض غضبا لدين الله إن مس جنابه, لأنه ينزله من نفسه منزلة عظيمة, حتى أنك لترى قبسا من هيبة الإسلام يخالط هيبة شخصه فيزيده قوة ووقارا.. لذا حق لي القلق والتوجس من ردّات فعله, لكن الذهاب إليه كان خياري الأفضل والأول دائما.
فذهبتُ إلى غرفته أقدم خطوة وأؤخر خطوات, حتى أتيته على سريره, فابتدأته بالكلام وقلت: أبي.. أريدك في موضوع هام وجوهري بالنسبة لي, فلدي مشكلة كارثية في مسألة من مسائل الاعتقاد. وهي تؤرقني, لكن أرجوك.. امنحني الأمان أولا, فلا تقاطعني في الكلام حتى يبلغ شرحي منتهاه, ولا تغضب فتحدثني حديث المنفعل الغاضب لدين الله فأداهنك وأرضيك على غير اقتناع, فقط اعتبرني شخصا غريبا راشدا جاءك يستفتيك في مسألة.. فأنا حقا أريد حلا مقنعا يخلصني منها!.
ثم سكتُّ أنتظر جوابه, وأقرأ انفعالاته.. وكان  متكأ فاعتدل, ولازلت أذكر وجهه وهو يزداد اهتماما واصغاء لكلامي, حتى بلغ به الفضول منتهاه فقال لي: تفضلي.
لم أفكر حينها في مقدمات انتقائية ولا عبارات تجميلية لأخفي خلفها شوه الحقيقة المرة التي سألقيها على مسامعه, وإنما انطلقتُ إلى قلب الاعصار مباشرة فقلتُ: أبي.. أنا لا أؤمن في قرارة نفسي بقصة الإسراء والمعراج, فهي خيالية في مقاييسي ولا تدخل عقلي مهما حاولت تسويغ حدوثها.. وليست هي الوحيدة التي أجد صعوبة في الإيمان بها وإنما هناك قصة "يا سارية الجبل!" .. كلاهما أراه فوق المنطق, فكيف أؤمن بما لا أصدق؟! وقد حاولتُ مناقشة الأمر مع إحدى معلماتي في المدرسة.. لكني أعلم أن بعض العقول لا تحسن استيعاب مثل هذه القضايا, وقد تشهق معلمتي وتستعيذ بالله مني ومن جرأتي وكفري.. بل قد يبلغ خبري الآفاق بعد مناقشتي لهذا الأمر معها, فيدفعني الثأر لذاتي ولكبريائي لمزيد من العناد في دين الله, فقررتُ السكوت عن الأمر ونسيانه, فأعياني نسيانه, حتى أنه صار يتعمق داخلي.. فخشيت أن يطال ثوابت أخرى أؤمن بها فيزعزعها هي الأخرى, لذا لجأت إليك.
أنهيت كلامي وبقيت أنتظر جوابه, لكن العجيب أن والدي وهو الشخصية المثقفة والداعية الفصيح المفوه قد فاجأني حين طلب مني تحديد وقت آخر للنقاش في هذا الموضوع, وقد أرجعتُ الأمر إلى انشغاله بالعمل, فقد كان  تاجرا مشغولا بتجارته, ومن يعرف حياة التجار يدرك كم هي حياة صعبة مضنية, لكنه  لم يرد أن أرجع الأمر لانشغاله وإنما فاجئني بقوله: أحتاج وقتا لأفكر في كلامك وأرتب أفكاري!.
وبالفعل.. مضى بعض الوقت قبل أن يستدعيني  لغرفته في اليوم التالي (على ما أذكر), فجئته وأنا مترقبة متحفزة لحديث طويل مليء بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليقنعني بالحادثة.
وحين بدأ حديثه لم ينطلق في الكلام كما كنت أظن, وإنما فوجئت به يستجوبني في بعض النقاط, وقد بدأ  بقصة "سارية الجبل" فقال:
- هذه قصة لا يترتب على الإيمان بها جنة أو نار.. لذا دعينا نجنبها ونركز على الإسراء والمعراج باعتبارها الأهم.. وقبل أن نبدأ موضوعنا دعينا نتحدث حول الكليات أولا قبل الجزئيات والتفاصيل, الآن أين تكمن مشكلتك.. هل هي في قدرة البراق على حمل الرسول  في هذه الرحلة؟ أم في قدرة الله؟
قلت: لا بل في قدرة البراق!
قال: إذن أنت مؤمنة بقدرة الله  على فعل أي شيء ولا يساورك في ذلك أدنى شك؟
أجبته: نعم.
قال: وهل قدرة البراق داخلة في قدرة الله الفائقة؟
سكتُّ قليلا ثم أجبته: نعم.
إذن الأمر حسم!.. فالله قادر على فعل أي شيء بأي خلق يخلقه.. أليس كذلك؟!
قلت: بلى.
فقال.. تعالي إذن لبعض التفاصيل:
أسرع وسيلة مواصلات تعرفينها.. كم تبلغ سرعتها؟ فقلت: الصاروخ (وقد كان حينها الأسرع), وقد اخترق جدار الصوت وسبقه!
قال: وفي الخيال العلمي يتحدثون عن اختراع مركبة فضائية في المستقبل قادرة على سبق الضوء أليس كذلك؟ قلت: نعم..
قال ولو حسبناها بقدراتنا المادية المتوفرة لوجدنا أن مركبة فضائية يمكنها التحرك بسرعة الضوء إلى القدس ذهابا وإيابا ستستغرق كذا وكذا من الدقائق.. أليس كذلك؟!
إذن الموضوع بعقولنا الصغيرة ممكن جدا.. ويبدو منطقيا, وقصة الإسراء تأتي ضمن قدرات ممكنة الحدوث في خيالنا... رغم أننا نعلم ونؤمن بأن قدرة الله فوق خيالنا, فهل يا ترى سيعجزه أن يرفع محمدا  للسماء السابعة ويعيده إلى الأرض في وقت قصير؟!
قلت: لا بل الأمر يبدو معقولا بالفعل!
قال: لنعترف إذن أن الصحابة كانوا أفضل منا.. فهذا الوقت الذي استغرقتِه أنت للإيمان بحادثة الإسراء والمعراج وما قمتِ به من حسابات رياضية واستدعاء لخيالك العلمي وغيره = لم يستغرق من الصديق  إلا أن ينطق بقوله: إن كان محمد قال ذلك فقد صدق!
فخجلت من نفسي وانسابت دموعي! وأدركت حجم جنايتي وتفاهة تفكيري وسذاجة عقلي.

فقال لي بعد برهة وقد أسعده نتيجة الحوار: تعالي إذن إلى قصة عمر  حين نادى يا سارية الجبل.. وقبلها أجيبيني: نحن الآن كيف نتحدث في الهواتف مع أناس في أقاصي الأرض دون أن تمتد أسلاك بيننا وبينهم لتحمل هذا الصوت؟. فسكت.
فتابع: هذه خاصية في الهواء, وهي ليست اختراعا اخترعناه حديثا, وإنما هي كتشاف من البشر على مقدرة الهواء حمل الصوت بطريقة معينة، واختراع الهاتف لم يكن كرامة لمخترعه وإنما كان في إطار مادي بحت، فما الذي يمنع عقلا من أن يسخر الله خاصية موجودة في الهواء أصلا لعبد من عباده الصالحين وهو القادر سبحانه على أن يسخر له ما لا يمكن اكتشافه ولا تخيله.. فما الذي يمنع؟
فأجبته بقناعة: لا شيء يمنع.
قال: ومع ذلك لا يهم إن آمنت بهذه القصة أم لم تؤمني.. فلا يترتب عليها جنة ولا نار.. لكن سيترتب على عدم إيمانك بها عدم إيمانك بالهواتف ووسائل الاتصالات الحديثة من الناحية العلمية.. وهذا تخلف لا يليق بك في هذا العصر!
وهكذا انتهت الجلسة في دقائق!
صحيح أنه قد حرص  على الجلوس معي جلسات أخرى بعدها.. لكنه لم يناقش القضية ثانية, وإنما أراد أن يرسخ لدي فكرة واحدة وهي: أن استخدام العقل في الدين والعبادات مذموم لأنه يورد المهالك, وليس في كل مرة تسلم الجرة! فقد نلجأ مع حيرتنا لمن لا يحسن الإجابة على إشكالياتنا فيمهد لنا دون قصد منه طريقا للمروق من الإسلام كلية.
فرحمك الله يا أبي.. والله إني لم أجري في حياتي حوارات عقلية راقية ممتعة في شتى مجالات الحياة بعده, فنعم الأب كان, لقد جعل من أبناءه مشاريع حياته, فاللهم اغفر ذنبه ونور قبره وآنس وحشته, وبارك لي في والدتي وأمد عمرها في طاعتك, وارحمهما ربي كما ربياني صغيرة.

بنت اسكندراني
نشر يوم الأحد الموافق 2 جمادى الآخر 1436هـ في ملتقى أهل التفسير

ابق معلمي..!!


أرجوك أعد تعليمي ثانية فأنا لم أتقن الدرس!!

سأبدي سوء خط، وسأبدي جهلا وأمية..

سأرسم حرفا طائرا فوق السطور وآخر تحتها ملقى!

سأريك ترددي في كل زاوية.. وسأريك غربة وتخوفا..

سأترك آثار خطاي حائرة بين السطور وفي الهوامش تستدعي عطفك..

تستعطف منك ذاك المعلم الذي لطالما أعطى وأغدق!

عد أنت اﻷستاذ كما كنت.. عد والتقط قبضتي الحائرة في عرض الصفحة.. عد وامنحها ثقة ودفئا..

وجهني يا معلمي نحو بدايات الطرق..

علمني كيف تتزن قدماي فوق السطور.. ومتى أقفز من سطر إلى سطر!

علمني كيف أنسج نسخا وكيف أنسج رقعة!

وكيف أسوّر حدود هوامشي وكيف أنسق الصفحة!

علمني متى أضع فاصلتي، وعلامات تعجبي، واستفهاماتي ..

لكن أرجووووووك ﻻ تعلمِني متى أضع النقطة!

وﻻ كيف أقلب الصفحة!

دعنا نبقى في ذات الصفحة، ودعنا نؤخر النقطة!.


حفصة اسكندراني
حرر ونشر 7 يونيو 2014م

الاثنين، 16 مارس 2015

لقد مللتُ من صلاتي.. فماذا عنكِ!!


 أخيتي الحبيبة..
لقد مللتُ من صلاتي.. وتعبتُ من حالي معها إلى حد أزعجني وعكر علي صفو حياتي..
وإني لأتساءل: أما مللتِ مثلي من صلاتك؟!, أما مللتِ مثلي من كثرة نقرها؟!
أما سئمتِ من العزم المرة تلو المرة على تحسين أداءكِ فيها، ثم إنك تتفاجئين بأنها تزداد سرعة وأنك تزدادين لها اهمالا؟!
أما يمزقكِ تيقنكِ بأنها تلقى في وجهكِ فور انتهاءكِ منها؟.. فأنى لمثلها أن تقدم إلى ملك الملوك وبها من العور ما الله به عليم!
ألا يخجلكِ ذلك؟
أما كرهتِ نفسكِ من كثرة ما تسجدين سجود السهو مرة عن زيادة، ومرات عن نقص ونسيان؟.. وفي بعض المرات حتى سجود السهو يطاله السهو والنسيان!
متى ستتخلصين من القراءة الآلية لقصار السور خاصة وأنكِ لا تذكرين بعد انتهاءكِ من الصلاة ما السور التي قرأتها في صلاتك سواء أكانت سرية أم جهرية؟!
متى لا تتفاجئين بنفسكِ وقد كبَّرتِ للركوع آليا وأنتِ لما تكملي تلاوة الآية التي تقرأينها بعد!.. وربما تجدي نفسكِ قد شرعتِ في الركوع وأنتِ لازلتِ تكملين اﻵيات فيه بدلا من التسبيح من شدة سرعتك ومن شدة غفلتك؟!
بل قولي بالله عليك.. أما تستحين من النوافل الشوهاء التي تقدمينها لجبر نقص الفريضة؟ أفتظنين أن النقص يجبر بالنقص والعور؟
فإلى متى ستقفين في مصلاكِ جسدا خاويا أجوف بينما عقلكِ يحوم في محادثة تركتها على جوالك، أو حول قدرٍ تركته في مطبخك؟!!ِ.. أو ربما مع تقييمٍ سريعٍ لأعمالكِ ومهامكِ التي أنجزتها خلال يومك، باﻹضافة إلى جدولة سريعة لما بقي منها!
إلى متى تصلّين بينما أذناك مصغية بعناية لصرخات أبناءكِ ولعبهم وأحاديثهم؟!.. وربما لصوت التلفاز!
إلى متى تصلّين بينما عيناكِ متحفزتان لتتبع كل شاردة وواردة تمر في محيط بصركِ؟! .. وأحيانا خارجه! ناهيك عن حركات عجيبة غريبة نقوم بها في حالات الطوارئ؟!
فإلى متى ستسوفين في مشروع تحسين صلاتكِ وتؤجلينه أيتها العاقلة؟!
أما تتوق نفسكِ لمحاكات بعض الصالحات من أمهاتنا وجداتنا القانتات في صلاتهن، أما تغبطيهن على تلذذهن في آدائها.. فلم لا تصبحين مثلهن؟
"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ"؟؟
قولي: بلى يا رب قد آن!
انهضي من غفلتكِ - يا حبيبة - فأكثر أهل النار من النساء..
لا تستسلمي لكونكِ مشغولة ومهامكِ من كثرتها وتشعبها تشغلكِ عن الخشوع والتركيز في الصلاة، أو تكونين ممن ابتلوا بالطبع الحار فلا يطيقون البطء في انجاز أي مهمة صغرت أم كبرت.. وعلى هذا برمجت حياتهم حتى أصبحت السرعة دأبهم حتى في أداء الصلوات.
أخيتي الحبيبة صدقيني.. لابد لي ولكِ من وقفة جادة أمام هذه الكارثة التي نتكتم عليها ونعاني منها - وإن بدرجات متفاوتة –, أفنضمن أن نحسن من صلاتنا قبل أن تُقبض أرواحنا؟! وهل نضمن أن نستدرك حالنا قبل فوات الأوان؟!
لا والله ما نملك أية ضمانات, وقد تطول حياتنا لكن نتفاجئ بأن بالعافية التي فيها نرفل قد سُحب بساطها من تحت أقدامنا فجأة فنندم ولات حين مندم.
فهلمي إلى صلاتنا لنجعلها سببا في دخولنا الجنة.. ولنلزم أنفسنا بقراءة آية الكرسي دبر كل فريضة فلعلنا ندخل برحمة الله في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ"
هلمي معي لنبدأ في تحسين صلاتنا بثلاث:
*رفع الصوت في الصلاة حتى نسمعه فنعقله.
*ولننوع في الآيات التي نتلوها لنكسر الرتابة والبرمجة في اختياراتنا.
*ولنطل الركوع قليلا حتى تطمئن الجوارح، فبالتجربة إن أطلنا زمن الركوع استقام لنا زمن السجود وسائر الانتقالات بإذن الله.
ولا تنسي - أيتها المباركة - مع هذا كله وقبله وبعده.. أن تسألي الله في مواطن الإجابة وفي مواسمها وفي كل حين أن يعينكِ على طاعته وحسن عبادته.. سؤالا صادقا من قلبكِ لا سؤالا ينزلق من لسانكِ بلا تأمل ولا تفكير..
فاللهم برحمتك التي وسعت كل شيء حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وحبب إلينا طاعتك، وأعنا على حسن عبادتك، وارزقنا الخشوع في الصلاة وسائر العبادات، واستر عيوبنا، واعف عنا الزلل، وارفع عنا الغفلة، وارزقنا عملا زاكيا ترضى به عنا وعن المسلمين فترفع به بأسك وغضبك وبلاءك عن أمة حبيبك محمد .
اللهم آمين.

بنت اسكندراني

حرر ونشر في 27 نوفمبر 2014م

الاثنين، 9 مارس 2015

من المواقف المحرجة!.. بقلم بنت اسكندراني


حين يباغتك أحدهم في مجلس فيطلب منك سرد موقف محرج حدث في حياتك.. صدقني ستفر منك المواقف الواحد تلو الآخر, وستبقى ابتسامة بلهاء تتجمد على شفتيك بينما تدور عيناك في كل الاتجاهات وهي تنظر إلى ما وراء مدى النظر.. حيث صندوق ذاكرتك الفوضوي علّك تعثر فيه على موقفٍ لم يحالفه الحظ بالهروب مع إخوته!, وربما ترتفع يدك لا إراديا لتحكّ فروة رأسك كأنك تنشط الذاكرة بمساجٍ مفاجئٍ رشوةً كي تكافئك بما تريد! :)
ولـمّــا وجدتُ نفسي في موقف مشابهٍ لما سبق؛ ثم تذكرتُ ـ بعد حين ـ أحدَ المواقف المحرجة التي مرتْ بي في حياتي؛ عزمتُ على تدوينه كتابةً ليبقى حاضرا في ذاكرتي متى تكرر علي ذات الطلب ثانية.
وبعد الانتهاء من كتابته زينتْ لي نفسي نشره J ما يعني أنني سأحرق ورقته, وسأضطر لاحقا للبحث عن غيره ليكون حاضرا لمثل تلك المباغتات.
خلاصة ما حدث...
منذ عامين سافرت في إجازتي الصيفية لمدينة الاسكندرية مسقط رأس والدي رحمه الله, ونزلتُ في شقته القريبة من كورنيش الاسكندرية الساحر, وبجوار شقة الوالد كانت شقة أخرى أهداها لوالدتي, وكنا نستخدم الشقتين معا, لكن المشكلة تكمن في اضطرارنا لإبقاء بابي الشقتين مفتوحين نهارا لعدم وجود باب يوصل بينهما من الداخل, لكننا لم نجد كبير معاناة في ذلك لعدم وجود جيران بجوارنا, ولكوننا نقطن في الطابق الثامن, ويستحيل أن يرقى الدرج عاقل أو متطفل, خاصة من ساكني الأدوار العليا.
ومع ذلك كنت أتلقى من زوجي التحذير تلو التحذير من التحرك بلا حجاب بين الشقتين, وكنتُ أتشدق بأننا لم نصادف بشرا من قبل في هذا المكان إلا نادرا وذلك في حال انقطاع التيار الكهربائي, وهذا البشري في هذه الحالة أحد اثنين: إما آتيا من الأسفل لا يبصر ما أمامه, ولا يميز الأشكال والألوان, ولا حتى الكلام, وذلك بعد صعوده ثمانية طوابق أنهكت قواه الجسدية وفي طريقها للتأثير على قواه العقلية أيضا!
والحالة الثانية: أن يكون نازلا من الأعلى يغمغم بالشتائم التي سيعجز عن التلفظ بها في حال صعوده فيما لو استمر التيار الكهربائي مقطوعا! :)
 ولكوننا نرى البحر من بعض نوافذ الطابق الثامن فقد كانت تهب علينا رياح باردة ساحرة, لكن برودتها تجبرنا على اغلاق بابي الشقتين حتى لا نتعرض لوعكة صحية لا سمح الله.
 وذات صباح كانت الأجواء عليلة تميل إلى البرودة وبالتالي كانت الأبواب مغلقة, فاحتجت للانتقال إلى الشقة الثانية لأحضر شيئا من عند أختي الصغيرة التي صادف أنها هناك, لذا لم آخذ مفتاحا معي, وحين خرجتُ أغلقت الباب خلفي وتوجهت إلى باب الشقة الثانية أطرقه حتى تفتح لي أختي, وهنا كانت كارثة في انتظاري :)
سمعتُ خطوات أقدام آتية من الطوابق العليا ما يعني أن أحدهم ينزل درجات السلم.. طرقتُ الباب على أختي, لكنها لم تفتح.. مع أني أسمع صوت تحركها بالداخل, بل وكنت معها قبل أقل من نصف ساعة تقريبا, لكن يبدو أنها تجري تجربة الدخول في سبات شتوي داخل قالب جليدي عاقها عن الحركة!
 اشتد طرقي على الباب والخطوات تقترب, عدتُ أطرق على الباب الذي خرجتُ منه دون أي استجابة, فوجدتُ نفسي وقد حبستُ في الممر بين البابين!
 وكدت أجن.. أين أذهب؟ التيار الكهربائي لم ينقطع.. فمن هذا المجنون الذي يجرب نزول عشرة طوابق؟ وماذا أفعل أنا؟ بالطبع يستحيل أن أسبقه في النزول فرارا منه لأجد نفسي وجها لوجه مع عشرات الرجال بالأسفل! وليس هناك ثمة مكان أختبئ فيه في ذلك الممر, وللأسف ليس معي ما أستر به وجهي على الأقل؟ ثم لو كان معي ما أستر به وجهي.. هل يعقل أن أستر وجهي وأدع شعري وبقية ملابسي؟!
صوت الخطوات يقترب.. والأبواب لازالت موصدة, وليس هناك بادرة صوت تبشر بقرب فتحها!
فقررتُ أنه لا مفر من الثبات في موقعي والاستلام للواقع, فقط عليّ ترشيح أفضل وضع لاستقبال الواقع, فأدرتُ ظهري للدرج وقلتُ: أخفي وجهي أفضل! ثم شعرتُ أنني سأثير شكوك النازل, فهو لا يعلم أنني (منقبة) أصلا, وحتما سيتعجب إن رأى أمامه امرأة سافرة ترتدي بنطال وهي تخفي وجهها!!.. سيقول هذه بالتأكيد عضوة في إحدى العصابات الإجرامية المتخصصة بسرقة الشقق! ولربما يقف بشهامة ليحقق معي! انتفضت لهذا الاحتمال, فقررتُ في ثوان أن هذا الوضع غير مناسب, سأستقبل النازل بوجهي, على الأقل لأعرف من هو؟ فربما يكون صبيا صغيرا ويمر الأمر بسلام!
فأدرتُ وجهي وأنا أحاول اخفاء ملامحي بشعري.. بينما وجهي يكاد ينصهر من الحياء, ويدي التي كنتُ أطرق بها على الباب بقوة لا زالت على ذات الوضعية لكن الطرق تحول إلى تربيت يائس مضطرب! بعدما فشلتْ محاولاتي في إخراج أختي من لوح الثلج الذي جمدها لتدع تقمص دور البطاريق والسلاحف وتنقذني من هذه الورطة.
 وظهر النازل أخييرا...
كان شابا في أواخر العشرينات تقريبا, ويبدو أنه قرر خوض تجربة النزول بدون استخدام المصعد من أجل الرشاقة أو شيء من هذا القبيل.. نظرتُ إليه نظرة واحدة ووالله الذي لا إله غيره شعرتُ بوجهي من حرارته يكاد يميع ويتساقط أمام قدمي على الأرض.. وكدتُ أموت خجلا.
وحين مر بجواري تمهل في خطاه ثم ألقى علي السلام, كدتُ أصرخ: هذا ما كان ينقصني!
فكرتُ لأول وهلة ألا أجيبه.. لكن موقفي ووضعي ووقفتي الخارجة عن السيطرة لم يكن يضرها لو أني رددتُ عليه السلام, وقلتُ في نفسي: الوضع كله خارج السيطرة.. ما جات على السلام!!.. يعني الرجل يطلع ذوق وأنا أظهر له قلة ذوق بلا مبرر؟ هي خربانة خربانة :) فرددتُ عليه السلام بعد تلكؤ, لكني أخذتُ ألهج بالدعاء ألا يقف ليسألني عن أي شيء لأنني بالفعل على وشك الاغماء وبالكاد تحملني قدماي!
وتخيلتُ لو أن زوجي استجاب لطرقاتي على الباب ففتحه ليراني في هذا الموقف! حتما سيرسلني على أول رحلة للمريخ لأتطوع في فريق: رحلة إلى الفضاء بلا عودة :)
وحين أدار الرجل ظهره لي وأكمل النزول.. فتحت أختي (الرايقة) الباب, فأخذتُ أوجّه لها لكمات واهنة وأنا أتمتم بحروف تبدو للسامع عربيةً لكنها متملصة من قواميس الكلمات التي أعرف!
 وعلى أقرب كرسي ألقيتُ نفسي وأنا لازلتُ عاجزة عن تجميع الكلام.. فقط دموعي التي تحدثت من شدة ضغط الموقف! ومر وقت حتى استوعبت أختي ما حدث فأخذ تقهقه على ما جرى, وأن أضحك تارة وأمسح دموعي تارة وأوبخها ما بين هذا وذاك.
المهم أنني بدهاء الأنثى أخفيتُ الأمر تماما عن زوجي حتى لا يستشيط غضبا وغيرة وينزل عليّ أشد العقوبات ..كأن يلبسني القفازات أثناء تنقلي بين الشقتين مثلا!
 لكنه بحمد الله لم يعلم بما جرى مدة عامين.. فقط لاحظ وقتها أنني صرت أصطحب غطاءً على رأسي إذا خرجتُ, وصرت أكثر حذرا من ذي قبل.
 وفي كل مناسبة أتذكر فيها هذا الموقف أو أرويه لأحد من معارفي تأخذني موجة ضحك هادرة, فقررت أن أحكي الموقف لزوجي وأدخل السرور إلى قلبه بما أن عامين تامّين قد مرا على الحادثة.. وبالتأكيد كان الأمر خارج إرادتي, وهو أولا وآخرا قضاء وقدر .. و... و... وقصت عليه ما جرى... :(
المهم أن أحدث اكتشافاتي بعد ما قصصتُ عليه القصة هو: أن هذه المواقف لا تسقط بالتقادم أبدا, وأن محاولاته مجاراتي في الضحك كانت تبدو مفتعلة جدا, والدليل أنه كال لي من اللوم والعتاب ما جعلني أقول: ليتني سكتُّ!
كفانا الله وإياكم شر المواقف المحرجة, وجملنا بستره حتى نلقاه وهو راض عنا.

بنت اسكندراني

حرر ونشر 18/5/1436هـ