الأربعاء، 27 مايو 2015

شَعبَان.. ومَفهُومٌ قاصِرٌ عِن الاسْتِعدَادِ لِرمَضَان

لوقت قريب كنتُ أعد شهر شعبان كباقي الشهور التي لا تميزه كبير عبادة، ولا مخصوص فضل وأجر عن سائر الشهور! نعم هو شهر استعداد.. وطوال حياتنا نعده كذلك، فنحن نستعد فيه لاستقبال رمضان بالتسوق للعيد مبكرا حتى لا نضطر للتسوق في رمضان فنفرط في أوقات مباركة من أجل تفاهات، كما أننا نستعد فيه بملئ خزائن الطعام بما لذ وطاب قبل أن تنفد المنتجات من الأسواق أو ترتفع أسعارها أو نضطر للتسوق في النهار أثناء الصيام للهروب من مساءات وليالي رمضان المزدحمة، ويدخل في مفهومنا للاستعداد كذلك: من كان عليه بقية من قضاء صيام واجب فيقضيه في شهر شعبان استعدادا لاستقبال صيام جديد في رمضان.. هكذا كنتُ أفهم وظيفة الاستعداد في شعبان!

لكني مؤخرا وعيتُ أنني أرفرف بمفهومي هذا خارج سرب الصالحين.. فشعبان شهر استعداد من نوع آخر, إنه استعداد بالعبادة للعبادة أو بمفهوم الرياضيين شهر (تسخين), ومفهوم التسخين يعني الاستعداد بالرياضة للرياضة!, ولكل عمل استعداد يلائمه, فلو أنك أردت السفر إلى مكان بعيد حتما ستقضي وقتا لتجهز أغراضك وحقيبتك وتراجع خط سيرك، ولو أردت خوض انتخابات مصغرة حتما ستقضي وقتا لتعد برنامجك واعلاناتك وتحشد الناس للتصويت لك، ولو أردت تحدي أصدقاءك في سباق للجري أو للسباحة حتما ستقضي وقتا للتدريب وتمرين جسدك، ولو أردت التفوق في اختبار ما حتما ستسهر الليالي في استذكار مادتك ومراجعتها، لكن ليس من الطبيعي وليس من المنطقي أن تستعد للاختبار بالنوم, ولا للسباق ببرنامج انتخابي, ولا للرياضة بحجز تذكرة, ولا للسفر بالمذاكرة، فلكل هدف استعداد يناسبه، فلو أنك نويتَ الصيام في رمضان فذلك يعني أن شعبان شهر للاستعداد بالصيام حتى تتكيف مع الجوع والعطش، فإذا ما أقبل رمضان لم تقض يومك في فراشك خاملا متفاجئا من صعوبة الصيام مع الحر والعمل!
وإذا ما كنت تنوي أن تحيي رمضان بكثرة الصلاة والقيام فذلك يعني أن شعبان شهر للاستعداد بالقيام، فاليوم جرب ركعتين قبل نومك, وغدا تهجد بأربع، وبعد غد أكثر وأكثر, حتى تطاوعك أعضاؤك ومفاصلك في القيام برمضان، فإن أجلتَ ذلك لرمضان فلا تلم جسدك إن خذلك في بعض الليالي، ولا تبك في آخر الشهر أنك لم تتلذذ بالعبادة إلا في العشر الأخيرة منه, أو أنك لم تختم القرآن إلا ختمة واحدة.. لأنك ببساطة فرطتَ في شهر الاستعداد، وكان استعدادك لا يتناسب مع الأهداف التي ترجو تحقيقها وتؤمل!

فبادر الآن بوضع الأهداف التي ترنو لتحقيقها في شهر رمضان، وابدأ من هذه اللحظة بالاستعداد، واستمتع بشهر العبادة من أول ساعة فيه، ودرب لسانك على كثرة الذكر وكثرة الدعاء ليكون رطبا بذكر الله، ولنري الله صدق نيتنا بالاستعداد للعبادة فلعلنا لا ندرك رمضان.. فإن حدث وكانت أعمارنا أقصر من أن تبلغه؛ كتب لنا الله أجر نيتنا في الصيام والقيام والصدقات وسائر العبادات ولو كانت أجسادنا تحت التراب.

فاللهم بلغنا رمضان, وأعنا فيه على الصيام والقيام, وتقبله منا ومن المسلمين, وأعزنا بنصرك وتأييدك وفرجك العاجل بأمة حبيبك محمد .
وكل عام وأنتم بخير

بنت اسكندراني

الثلاثاء، 26 مايو 2015

فيلم الكرتون الذي لم يكتمل!

مررت بأطفالي وهم يشاهدون فيلما كرتونيا انتقوه من اليوتيوب بعدما استأذنوني في مشاهدة كرتون اسلامي, وقد اقتربتُ من الغرفة لآخذ بعض الأغراض وأنصرف لشأني, فحانت مني التفاتة إلى الشاشة فإذا بفيلم كرتوني قديم بدائي في تقنية صناعة أفلام الكرتون التي اعتدنا مشاهدتها, حتى بدى كالشيخ الهرم المتهالك بين جيل فتيّ من الشباب!, لكن المشاهد التي رأيتها فيه كأنها مرت علي من قبل, وكأن أصوات المدبلجين آتية من زاوية ما في ذاكرتي, فتوقفت للحظات أتابع ما أرى وأطابقه مع ما في سجلات الذاكرة, فتيقنت أنني شاهدت هذا الفيلم وأنا صغيرة, لكني لا أذكر من أحداثه شيئا, ولأني أعرف أن ذاكرتي من النوع الذي لا يسعفني في تذكر الأحداث.. وهي مستعدة لفضحي واحراجي في أي موقف؛ قلت في نفسي: وما أهمية تذكري لأحداث هذا الفيلم؟.. فيلم تافه.. وأنا لن أعصر مخي لأجل تفاهات!, ثم هممت بالخروج من الغرفة.. وقبل خروجي إذ بومضة من الماضي تومض في عقلي فجأة فألتفتُ إلى صغاري وقلت لهم: هذا الفيلم لن يكتمل, بل سيقطع الآن وقبل نهايته!, نظر إليّ الصغار بقلق.. فأحداث النهاية قد احتدمت, وهم يرقبون اللحظات القادمة باهتمام متصاعد.. فكيف سيقطع الفيلم قبل النهاية؟, وما هذا التخمين المتشائم الذي أخطأت في توقيت اخبارهم به؟.
لكنهم وبحركة من (الماوس) وجدوا أن ثمة دقائق باقية على نهاية مقطع اليوتيوب, ما يعني أني مخطئة!, فوجهوا لي نظرات استغراب وتعجب!, وأنا في مكاني واجمة!.. تتلاحق الصور الآتية من ذاكرتي وتنزلق نحو بؤبؤة عيني.. وبإصرار رهيب رددتُ كلامي: لقد شاهدت هذه الأحداث من قبل لكن هذا الفيلم لن يكتمل, هنا الآن ستوقف!.. لكن الفيلم لم يتوقف واكتملت أحداثه.
 لا أدري ما الذي دفعني لمشاهدته حتى النهاية؟, هل هو اصرار دفعني لانتظار الانقطاع حتى آخر لحظة من الفيلم؟ أم هو فضول لمعرفة المقطع الذي فاتني وكدر علي بضع لحظات من طفولتي؟ أم هي طفولة من الماضي أتت في تلك اللحظات لتسكنني حتى أنني تابعت النهاية باهتمام فاق اهتمام صغاري :).. لست أدري.
لقد اكتمل الفيلم بالفعل.. وتذكرت بعضا من أحداثه, وتذكرت أكثر أنني اخترعت له نهايات من خيالي, ربما هذه واحدة منها, فمنذ صغري وأنا أكره النهايات المفتوحة وكذلك النهايات التعيسة, فتلك النهايات تدفعني لنسج نهايات أخرى من خيالي حتى يهدأ بالي وتقر عيني, خاصة في حال القصص ذوات النهايات المحزنة, فمن السهل أن تحاصرني رواية ما بأذرعها الأخطبوطية الكئيبة حتى تنتقل الكآبة من قلب الورق إلى قلبي وأعماقي مباشرة, لذا في بعض الأحيان أسمح لنظري باستراق بضع نظرات على السطور الأخيرة في الرواية التي أقرؤها خاصة حين تساورني الشكوك أن كاتبها يتجه بي نحو نهاية حزينة, فإذا ما ثبت لي أنها دراما محزنة توقفت قبل نهايتها وألجمت فضولي لأنقذ نفسي من الفخ القاتل الذي ينتظرني, ثم أعمل على أن أضع لها نهاية مشرقة ترسم على شفتي ابتسامة رضى حين أضع رأسي على وسادتي, وقليلة هي المرات التي سقطتُ فيها في الفخ, وأظن أن المنفلوطي هو الكاتب الوحيد الذي حاك لي أشهر فخاخ في حياتي.. وأجملها في نفس الوقت, لكن شتان بينه وبين الكثير من الأدباء المعاصرين.. ففي سطور رواياتهم أشعر بمكرهم واستخفافهم بقارئهم وبمشاعره, فكأني أرى أحدهم ينفث دخان غليونه البغيض وهو ممدد باسترخاء في جو مكتبه الأنيق المكيّف.. يملي درامته المفتعلة على قارئ قد ذاق من الأحزان أكثر مما ذاق هذا الكاتب المنعّم, لكن المنفلوطي يشعرك بأنه قد حزن قبل حزنك وبكى قبل بكاءك.. وما جاءت حروفه على هذه الصورة المؤلمة إلا لتعكس شيئا من جملة آلامه, وقطرة من بحر أحزانه, فتشعر حينها أنك راض عن عبث المؤلف بمشاعرك كل الرضى.
نعم لقد انتهى الفيلم الكرتوني الذي اكتشفت كم كان تافها ساذجا.. بل هو نموذج من الأفلام التي تنمي التخلف العقلي عند الأطفال بامتياز.. لقد انتهى الفيلم وانصرفنا بعده, لكن ذهني أبى أن ينصرف.. ترى ما السر وراء بتر نهايته من النسخة التي شاهدتها وأنا صغيرة؟ :) فلقد كان والدي رحمه الله حريصا على دفع الأموال بسخاء من أجل شراء أفلام الكرتون العالمية المميزة وعلى رأسها تلك الأفلام الإسلامية أو بالأصح التي أسلمتها أصوات المدبلجين, فجاءت إسلامية بالصوت لا بالفعل.. فيأتيك مشهد السكران على أنه رجل مستقيم لكنه أسرف في السهر بعض الشيء حتى اختل تركيزه.. ومشهد الذي يناجي الآلهة ويتوسل إليها كالناسك المتهجد بين يدي الله, ثم تأتيك الأخوة لتغطي على كل علاقة حب واعجاب بين شخصيات تلك القصص, وهذه محاولات تشكر لهم بالتأكيد لكن ذلك لا ينفي خروج بعض الأفلام والمسلسلات الكرتونية بشكل سمج.. بل هو غاية في السماجة والاستخفاف بعقول الصغار قبل الكبار!, ومع ذلك كنا سعداء بشراء أفلام الكرتون المدبلجة أيا كان مستوى سماجتها, وكنا نشتريها من محلات الفديو التي انتشرت آنذاك في شوارع مدينتنا (المدينة المنورة), بالطبع لم يعد هناك شيء اسمه محلات فديو في وقتنا الحالي, فلقد انقرضت جميعها, ولم يعد الجيل الجديد يعرف شكل شريط الفديو أصلا, فيال السخرية, لقد تسارع الزمن بشكل عجيب وهو يصر أن يوجد فجوة عميقة بين أبناء كل عشر سنوات منه, فعشر سنوات في مؤشر التقدم التكنلوجي باتت تعني قفزة من عصر رجل الكهف إلى عصر رجل الفضاء دفعة واحدة... وهذا يعني أن جهاز الفديو على سبيل المثال سيعرض بعد عدة سنوات في متاحف الأجهزة القديمة بجوار التلفزيون الأسود × أبيض وأجهزة الهاتف والراديو الأولى التي صنعها الإنسان.
لقد ابتلعنا الثقب التكنلوجي الأسود المتمدد في فضاء الكون بشكل سريع, وفي فلكه عشرات الأقمار الصناعية ومئات القنوات الفضائية, أعقبها الثورة الأكبر في عالم الاتصالات وهي (الانترنت) الذي استطاع احتواء العلوم والفنون جميعها, والتاريخ بماضيه وحاضره, وكل ما يمكن تخيله, ودخلت هذه التقنية كل البيوت وغزتها, فقلما نجد حولنا بيتا يخلو من الإنترنت أو يخلو من قنوات التلفزة سواء المحافظة منها أو غير المحافظة, وأذكر حين كنت صغيرة كان أغلب الناس الذين يمتلكون جهاز تلفاز يشاهدون القنوات الأرضية (القناة الأولى السعودية والقناة الثانية) فقط, وفي بعض المدن الساحلية كمدينة جدة وينبع كانت اللواقط تلقط قنوات أرضية وقنوات فضائية من الدول المجاورة كمصر والسودان, وأذكر أن اطلاق قمر صناعي عربي كان حدثا كبيرا يشبه نزول أول إنسان على سطح القمر, لكن ذلك الحدث لم يكن يعنينا كثيرا, فوالدي لا يسمح بوجود أي قناة في منزلنا, صحيح أنه سمح لنا أيام حرب الخليج الثانية بمتابعة البث السعودي لمعرفة أوقات الغارات التي كانت صافراتها تقطع البث في أي لحظة, ولمشاهدة بعض أفلام الكرتون التي أقنعناه أننا لن نشاهد غيرها.. وأيضا لمشاهدة نشرات الأخبار التي تتصدق على مشاهدها في ختامها ببضعة أخبار عالمية محدودة  كمكافئة لصبر المشاهد على متابعة ساعات من: (استقبل..., وكان في استقباله..., ثم وُدِّع بما استقبل به من حفاوة, وكان في وداعه...)!
وكبيت ملتزم كان يُنتقد علينا أننا نمتلك جهاز الفساد المدمر المسمى بالفديو!, لكن والدي كان التزامه من طراز مختلف ساعده على ذلك انفتاحه وكثرة سفراته وزياراته لمختلف قارات العالم, فكان يرى أن الفديو أفضل من متابعة قنوات التلفاز, لأنه يتيح له أن ينتقي لنفسه ولأسرته ما يريد مشاهدته, ويتيح له التحكم في وقت المشاهدة, والميزة الأهم أنه كان يطلب من محلات الفديو التي يتعامل معها أن تقطع المشاهد السيئة من بعض الأفلام الأجنبية الهادفة والراقية!, وكان حريصا منذ زار مدينة هوليوود السنيمائية ألا ننبهر بأي مشهد في أفلام الغرب حتى نحلل كيف تم تصويره؟ وما هي التقنيات المستخدمة في إنتاج هذا الفيلم؟, لنواكب أسرار التصوير وفنونه التي تتجدد وتتطور يوما بعد يوم, لكني لم أعد أتابع آخر ما توصلت إليه تقنيات التصوير السنيمائي منذ وقت طويل, ولم تعد تشغلني كثيرا, وأظن أن آخر ما تابعته باهتمام في هذا الجانب كانت ثورة الماتريكس في التصوير, ومنذ ذلك الحين بدأت أكره السنيما وعالمها التافه بكل تفاصيله, وكان ذلك تزامنا مع سقوط برجي التجارة العالميين وما تبعهما من أحداث ساخنة على الصعيد الإسلامي والعالمي, قد يبدو أنه لا علاقة بين السينما والسياسة إلا في رأسي, لكن علاقة ما تجعلني أربط بينهما برباط وثيق, فلقد أدركت خسة هؤلاء جميعهم سواء أكانوا ممثلين خلف كاميرات هوليوود أم خلف كاميرات البيت الأبيض أو أي كاميرا سنيمائية أو منصة سياسية في أي مكان من العالم.. فجميعهم إلا من رحم الله مشتركون في الكذب والنفاق والتفاني في خدمة أجندات خبيثة من أجل تزيف الحقائق والتاريخ, وتمكين الظالم وتغييب الحق, وحرق الإنسانية باسم الانسانية, وصنع أمجاد واهية لمن حقه التجريم والتسفيه, وسرقة البطولات وتشويه رموزها, وافساد الشباب واشغاله بشهواته وتغييب عقله وجعله مجرد حيوان في قطيع تابع للغرب... الخ, لذا هم يستحقون مني كل الكره والاحتقار مهما بلغت حضارتهم ومهما بلغ تطورهم المادي الذي يتعرى كل يوم من الأخلاق والمثل التي يدعون امتلاكها.
لا أدري ما الذي فجر بركان غضبي في ثنايا حديثي عن فيلم كرتوني تافه انقطع قبل نهايته منذ عشرين سنة أو يزيد :) حقيقة.. لا أملك إلا أن ابتسم حين أعد السطور والخواطر التي استخرجها من داخلي هذا الفيلم الذي اكتمل مشهده الناقص اليوم! وليته ما اكتمل! فلقد أشغلني بالتفكير والتحليل لحل لغز انقطاعه, حتى أنني لم أنس مراجعة تحليلاتي التي خمنتها وأنا صغيرة عن سبب انقطاع الفيلم, وقد بدت لي تحليلاتي تلك مضحكة فعلا.. فلا يمكن أن يكون المدبلجون قد انصرفوا عن الفيلم قبل نهايته لطارئ ما كإفلاس المنتج مثلا, ولا لأنهم اكتشفوا أن الفيلم في نسخته الأجنبية كان ناقصا من الأساس بسبب موت الرسام أو اعتزاله الفن مثلا, بل إن التحليل المنطقي الذي تأكد لي بعد هذه السنوات هو أن الخطأ سببه صاحب محل الفديو المحترم, فسعة الشريط لم تكن مناسبة لزمن الفيلم بالتأكيد.. فضاعت الدقائق الأخيرة بغباء واستهتار لا مبرر له, وهذا يعد غشا تجاريا يستوجب استرجاع ثمن الشريط ومحاسبة الفاعل! :)


بنت اسكندراني        

كتب ونشر 8 شعبان 1436هـ

السبت، 23 مايو 2015

بين الاسم والكنية سنوات قلبية!

بين الاسم والكنية سنوات قلبية!
و "سنوات قلبية" هذه قياسا على السنوات الضوئية ليس الا، فاذا كنتَ من أصحاب الألقاب (كبرت أم صغرت) وقد اعتدتَ أن يضاف الى اسمك دال أو ميم او حتى ألف، أو كانت مكانتك الاجتماعية تفرض أن تكنى باسم اكبر أبناءك.. ثم يأتي أحدهم فينادك باسمك عاريا من الألقاب والكنى في أوائل اللقاءات التي تجمعه بك؛ فإنه حتما قناص مغامر..
لأنه اختار لنفسه من قلبك المكان الأقرب، وقطع في لحظات = سنوات قلبية تحول بيننا وبين الغرباء عادة، بقي عليك أنت أن تحدد هل تقبل تجاوزه هذا وتقربه إلى نفسك؟ أم تتضجر من جرأته وبالتالي ستذكره بشكل أو بآخر بكنيتك أو ما تحب أن تنادى به.
وحين تقبل ذلك القرب من أحدهم تشعر بأنس يجعلك تبني جسورا وثيقة من التواصل المرئي واللامرئي بين قلبيكما.
لكن المؤلم أن يتحول شخص اختار بنفسه القرب منك واعتاد مناداتك باسمك.. وأنت قبلتَ ذلك وأنستَ به؛ ثم إذ به فجأة يناديك بلقبك أو بكنيتك، فكأن المكان الذي نزل فيه بقربك لم يعد يعجبه فهانت عليه السنوات القلبية التي قطعها يوما ما.. لذا لم يكترث بتفريطه فيها بهذه السهولة!
حينها قد تجد نفسك محترقة رغبة في مواجهته وفي لومه، وقد يكون عتابه أو الاستفهام منه عما طرأ على علاقتكما، وعن أسباب هذه الجفوة =متاحا لك..
لكن الأسلم لك ولكبريائك ألا تفعل..
نعم احزن على بعده بصمت كما احتفيت بقربه بصمت..
وقل في نفسك: حيّا هلا بمن من القلب اقترب، وحيّا هلا بمن عنه ارتحل، فلمن اختار القرب وهو أهل له.. له منا المودة والوفاء، ومن اختار البعد عنه فله منا السلام أينما ارتحل، وله مودة قد حفظناها.. ومتى عاد ينشدها سيعجب أنها باقية ما طال الزمن... فنحن لا نفرط في السنوات القلبية التي يقطعها أحدهم نحو قلوبنا أبدا.

بنت اسكندراني

كتب ونشر 3 شعبان 1436هـ

السبت، 9 مايو 2015

المرأة الجميلة.. وتشويه مفهوم الجمال!

المرأة الجميلة هي ليست تلك التي تكثر من الوقوف أمام المرآة لتجمل وجهها وتخفي عيوبه حتى تقنع نفسها ومن حولها أنها جميلة!..
ولا تلك التي تمتلك في حقيبتها عدة متكاملة من مساحيق التجميل التي تتسلح بها أينما ذهبت (بدءً من كريم الأساس وانتهاء ببودرة اللمسات الأخيرة!)..
ولا تلك التي لا تعرف كيف تثبت بين الناس أنها أنثى قادرة على جذب الأنظار سوى بارتداء الملابس الخليعة المحرمة!.. (وكأن أحدا اتهمها فأرادت أن تثبت له بالدليل القاطع أنها ليست رجلا!)
كلا.. المرأة الجميلة هي ليست هذه أو تلك, وإنما الجميلة من وجهة نظري هي تلك التي حين تزين وجهها لا تحتاج لأن تضع فيه إلا لمسات بسيطة رقيقة, لا تستغرق منها سوى دقائق معدودة, تخرج بعدها إلى الناس وهي واثقة بأنها الأجمل, وأنها ستأسر القلوب وتسحر الألباب بجمال روحها, وخفة ظلها, وروعة منطقها, ورقي تفكيرها, وحياءها الغير متكَلَّف.. ومع كل هذا: أنوثتها الواثقة, تلك الأنوثة التي لا تحتاج إلى طلاءات, ولا إلى ملابس عارية, ولا إلى تغنج مصطنع.. بل هي أنوثة نقية عفوية واثقة خالية من التشوهات الفكرية لمفهوم الجمال الذي فرضه علينا التحضر والتقليد الأعمى لصرخات الموضة الغربية المتذبذبة.
ولا تزال أجمل فتاة في مقاييسي هي تلك الفتاة البسيطة التي إذا أُخبرتْ أنها على وشك لقاء أحدهم لم تهرع إلى مساحيقها لتطلي ملامحها بطبقات من الطلاء الملون.. ولا إلى أمشاطها وأجهزة تصفيف شعرها الكهربائية (والنووية), وإنما.. اكتفت بالتربيت على شعرها بكلتا يديها، وجمع ما تناثر من خصلاته, وتعديل ثوبها البسيط الذي يحكي الأنوثة الواثقة في انعطافاته الفضفاضة الساترة, وعض شفتيها, مع بضع قرصات خفيفة من أناملها على خديها.. حتى تشرئب بحمرة طبيعية ساحرة تجعلها تبدو أجمل وأروع وأبهى من ذوات الطلاء وذوات الأقنعة! (لكن يبدو أن هذا الفعل البدائي العفوي اندثر تماما, بل وصار مدعاة للسخرية).
المؤسف من وجهة نظري أننا أمام جيل من الأمهات اللواتي يصدِّرن (دون قصد منهن) هذه التشوهات الفكرية في مفهوم الجمال لبناتهن, ليخرج لنا جيل من الفتيات اللاتي لا يثقن في جمالهن ولا في أنوثتهن بغير هذه المستحضرات وتلك الأدوات, لنرى بعض فتياتنا في الأسواق العامة تضع الواحدة منهن قناعا كاملا من المكياج المبهرج الذي تضعه الفنانات وهي لم تزل صوصا في بيضته!.
فاللهم ارزقنا جمال الروح وجمال الخلق والخلقة, وجملنا بأحسن الأخلاق, وجمل اللهم بواطننا كما جملت ظواهرنا, وارزقنا وارزق فتياتنا الستر والعفاف والجمال الذي لا يتأثر فيما لو تأخرت على أسواقنا شحنات أدوات التجميل المستوردة لسبب أو لآخر J اللهم آمين.


بنت اسكندراني

الخميس، 7 مايو 2015

فجر مدلل..

استحياء الشمس عند الفجر يوهمك بأنها ستبقى متوارية خلف الأفق تكتفي بأن ترسل أشعتها واحدا تلو الآخر حتى السحر.. لكن فجرها المدلل يعقبه بزوغ جاد، وعمل ومسؤولية، ونشاط وهمة.. فإذا ما حان وقت غروبها تراها تلملم ما أرسلت كي تنزوي.. كي تختفي مع انتهاء الأجل.
فكأنها في شروقها وغروبها فتاة صغير لم يطل زمن لهوها ودلالها حتى نضجت واستوت امرأة وزوجة وأما.. فأعطت وبذلت وأغدقت وأكرمت ومنحت وأحسنت..
حتى إذا استكملت دورتها في الحياة ضعفت وذبلت لتنتهي في هدوء.

بنت اسكندراني

حرر ونشر في 4 مايو 2015م

سأتمرد يوما..

سأتمرد يوما لأريهم كيف يمكن للحمل الوديع أن يقول لا, سأتمرد لكي أرى علامات التعجب العميق كيف ترتسم على وجوههم, وكيف سيدب القلق في سويداء قلوبهم!
سأتمرد .. نعم سأتمرد, وليست فاعلة ذلك لأني مللت طاعتهم.. كلا!, ولا لأن فؤادي المحب قد مل صحبتهم، ولا لأن قدماي اشتهت سلوك درب غير دربهم... ولكني سأتمرد كي أقول:
"أنا هنا! وأنتم هناااك, فقط اقتربوا قليلا لكي تجمعنا الحياة ويحتوينا ذات القدر".
سأتمرد كي أعبر عن فيضان حب يجري في صدري, وأخاف أن أغرق فيه وحدي, لذا أبحث عمن يشاركني الغرق!
سأتمرد كي أقول أني مخلصة لكم! وأنني لا أحب التمرد ولا أحب افتعال القلق!! لكن مشكلتي الوحيدة أنني أنثى.. والأنثى تفتعل أحيانا ما لا تريد وتنطق ما لا تشتهي لكي تقول أنها تعشق وأنها تخشى الغرق!

بنت اسكندراني

حرر ونشر في 4 مايو 2015م