الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

واكتملت أوراق البازل.. قصة طويلة بقلمي: حفصة اسكندراني ج4

أحداث الجزء الأول من هنا
وأحداث الجزء الثاني من هنا
وأحداث الجزء الثالث من هنا

الجزء الرابع:
"إلى أين ستذهب أيها العملاق الملثم؟
مسكين أنت يا قاتل نفسك ويا مشقي روحك وجسدك! مسكين أنت أيها العاشق المتخفي في ثوب اللامبالاة والجمود!
نعم يا سيدي أنت مسكين حقا! لكنك مسكين مرة واحدة أو ربما مرتين.. بينما حظي مما أنت فيه مثنى وثلاث ورباع!.
مسكين أنت.. ﻷن كلماتي التي أنثرها خواطر وأشعار هنا وهناك تأسرك وتسحرك!.. فيتمنى قلبك الرقيق لو أنها كتبت فيك أو نظمت من أجلك.
ومسكين أنت أيضا لأنك تترقب اهتمامي بك مرة بعد مرة دون جدوى.. وتراني وأنا أكيل الاهتمام لجميع الناس بسخاء فإذا ما تعلق الأمر بك رأيتَ عطائي لك من الثناء والاهتمام قد نضب، فجاءتك ردودي باردة بلا حرارة ولا طعم ولا لون..!
ﻷجل ذلك أعترف.. أنت مسكين يا سيدي وإن تظاهرتَ بغير ذلك.. وإن كتمتَ عن العالمين حقيقة ما بداخلك!.
وأما بالنسبة لي فأنا مسكينة أيضا..
وسبب شقائي يا سيدي غير سبب شقائك, ومادة بؤسي غير مادة بؤسك, وأنا أرى أن ما بي يفوق ما نزل بك ويضاهيه!
فأنا مسكينة لأنني حين أكتب المشاعر فأجيد وصفها؛ لست أكتبها كأي كاتب وأي شاعر يسلي نفسه كما تظنون.. ولا كانت الفصاحة التي تعجبكم في خواطري وقصائدي إرثا ورثته ولا البلاغة التي تأسركم علما تعلمته.. وإنما السر وراء ذلك هو أنني إنما أصف ما استقر في قلبي وما حام بوجداني لا ما استقر وحام بوجدان المحبين والعاشقين.. وشتان بين المكتوي بالنار ومن يدعي الاكتواء بها... ثم إني بعد ذلك أعمد إلى رسائلي فأجعل المرسل إليه نكرة بلا ملامح.. (رغم أن ملامحه منحوتة على جدران ذاكرتي, وفي دهاليز صدري) فتخرج كلمات الحب مائعة بلا هوية.. وأبيات العشق ضائعة بلا وطن ولا مطية، فكأنها كتبت لتناسب كل أحد.. حتی يظن قارئي أنها هذو من هذيان اﻷدباء حين يناجون القمر ويحتسون أفكارهم من هالة الخيال التي تحيط به.. فإذا ما غاب القمر انتهت تلك الحالة التي تعتريهم وخلفت حروفا جعلوها في خاطرة أو في قصيدة.. وهي في الحقيقة لا تمس واقع كاتبها لا من قريب ولا من بعيد
أتعلم يا سيدي منبع شقائي وألمي أين يكمن؟! ومن أين ينبع؟!
إنه يكمن فيك وينبع منك.. فلا تعجب!
 نعم.. مسكينة أنا لأن الكلمات التي تمنيتها أنت لك.. هي في الحقيقة ما كتبت إلا لك! وما حيك حرف فيها علی حرف إلا ووجهك سراجي الذي أبصر عليه نسيجي.. وقمري الذي يلهمني أبياتي ونثري.. فلا أعقد في نسيجي عقدة حتی أهمس لها بحبي وأنفث فيها بطرف من أشواقي وزفرة من زفرات وجداني.
ولقد انتظرتك تخطو خطوة.. وبقيت أحلم باليوم الذي تطرق فيه بابي.. لكنك أيها العملاق الأحمق البغيض لم تفعل!"
لم يشعر بالزمان ولا بالمكان ولا بالسيول التي انحدرت من عينه حتى جرت على الورق فاختلطت بأحباره, ضغط على الورق الرقيق بأصابعه حتى كاد يتمزق بين يديه, الحروف التي فرح بها أول الرسالة حتى أحيت الأمل في روحه.. هي هي التي أماتته وأقبرته في سطور النهاية, ماذا بيده أن يفعل؟ يوقف زواجها؟! يعلن حبه لامرأة مرتبطة؟! يتوسل الى أهلها لأجل أن يفسخوا خطبتها؟! يكتب لها أنه يريدها ثم يطالبها بكل خسة أن تنفصل عن خاطبها؟ أي رجولة هذه وأي جنون هذا؟
ليته لم يعرف.. ليته لم يجب اتصال خالته, وليته لم يحلم بالاقتران بها فور انتهاءها من الثانوية بل ليته لم يعرفها ولم يحببها يوما.
ليست المنقصة من شيمه, خير له أن يموت بمبدأ على أن يعيش بلا مبدأ,
لقد خرج مسرعا كأنما يفر من الجحيم.. ترك الحقائب فلم تعد تعنيه, قاد سيارته بجنون إلى بيته, وهناك ألقى بنفسه على سريره خائرا, سمع صوت اقامة صلاة الفجر لكنه لم يحرك ساكنا, لم يكن قادرا على الحركة, فقط النحيب هو ما استطاع فعله, كانت الصدمة أعظم مما يحتمل, وكان عجزه أثقل مما يحتمل, وألمه فوق كل احتمال.
أغلق هاتفه لمدة ثلاثة أيام لم يعبأ لما سيحدث أو ما سيترتب على فعله هذا, لم يعبأ لكون مفتاح المنزل لازال في جعبته, لم يهتم لما سيبرر به اختفاءه, لا شيء يهم, إنه محموم يعاني من حمى ظاهرة وأخرى باطنة أشد فتكا من أختها.
محاولات نهوضه من الفراش فاشلة, إنها حمى الهوى وقلما من سمع بها أو جربها, نعم حمى بلا مقدمات ولا مبررات طبية, إنها المرض الأشهر لدى العاشقين, إنها القاسم المشترك بينهم جراء العشق والوله, إنه ترجمان العجز عن فعل أي شيء..

انتهى الجزء الرابع
وفي الجزء الخامس بإذن الله سنستكمل أحداث القصة..
همسة: