الثلاثاء، 25 يناير 2011

أمك فهل تعرف قدرها؟؟


لو قُدِّر لرجل أن يجرب ما قاسته أمه حين ولادته في الحقيقة أو حتى في المنام ؛ فيُعاينُ الآلام وهي تدكُّ جسده دكا , ويرى الروح تُنزَع من بين جنبيه نزعا , ثم يسمع طقطقة عظامه بأذنيه , ويرى تمزيق جلده ولحمه بعينيه ـ فلو قُدِّر له معاينة ذلك ـ لانتفض مسرعا إليها ، راكعا تحت قدميها , لا يشغله عنها زوج ولا ولد ، ولا يملّ منها ما طال به الأمد .
فإن كان يوم ولادته لم يدرك عظيم معاناتها , ثم عاش حياته بعد ذلك لاهيا يتدلل ويتراقص على فيض عطاءها , ويستنزف في خدمتها له سنين شبابها , فلا أقل من أن ينصب خيمة تحت أقدامها , فينفق شبابه في خدمة شيبها , ويُحني قامة قوته لأجل أن يحمل هشاشة ضعفها .
فيُصغي لحديثها كما بالأمس القريب لحديثه أصغتْ , ويرسم البسمة على شفاهها بِعُشْرِ ما قد قهقه منها فؤاده وغرّد .
فيُسلّي صمتها كما سلّتْ صمته , ويتلمس حاجتها كما تلمستْ حاجته . ويمسح دمعتها كما اعتادتْ بحنان أن تمسح دمعته .
ولا يبرح موضعه هذا حتى تبلغ الروح منها التراقي , فيعوِّض عدم مواساته لها في يومه الأول ؛ بمواساته لها في يومها الآخر .
فيضمها لصدره كما ضمته , ويهدهدها بين ذراعيه كما هدهدته . يراقب زحف الموت على أطرافها كما راقبتْ زحف الحياة إلى أطرافه .
فإن أهال على جسدها الطاهر تراب القبر , فقد أهال على روحه ألما لن يفارقه مدى الدهر . فوالله ما دفن تحت الثرى جسدا محبا .. وإنما دفن الحب كله فيها متجسدا .
فاللهم أعنا على حسن صحبة والدينا , وحسن البر بهم , وارحمهما أحياء وأمواتا , وأرنا من أبنائنا ما تقر به الأعين . إنك سميع مجيب