الأربعاء، 20 أبريل 2016

دوّن يا سيدي تاريخ هذا اليوم.. واحفظ الشهر !

كتبتْ إليه بعدما أنهكها بلامبالاته وعدم اهتمامه:

دوّن يا سيدي تاريخ هذا اليوم.. واحفظ الشهر !

أرّخ نضوب منابعي.. وأرّخ الهجر ! 

أكتب في دفاترك: أن رفيقتي قد ملّت الصد ! 

ملّت من ملاحقتها لي, وملّت من الصمت المحيط بي

وملت من حروفي التي لا تعرف كيف تدفئُ القلب وكيف تسعد الثغر..

أرّخ يا سيدي أنّي انزويتُ.. أنّي انتهيتُ.. وأنّي لن أكمل السير..

أرّخ انصرافي عنك من بعد اقبال.. واهمالي لك بعد ترصد وإصرار !

كن شاهدا أن الودّ النقي قد يُنهك الصدر.. 

وأن الاهتمام بمن لا يراك شيئا لن يخلق الودّ..

وأن الصدود تلو الصدود حتما يولد الكره.. 

فقساة القلوب لم يولودوا هكذا فثمة من ألقموهم في صغرهم حجرا..

لا يمسك نهر العطايا عن أرض إلا إذا أمسكت السماء عنه الزاد والمطر.. 

وترى السحاب يجود لطالما لم تقطع بحار الأرض عنه القطر.. 

هي دورة عطاءٍ إن بخلتَ بعطاءك فعطاء الآخر لك قد نضبَ..

سنبدأ عهدا جديدا يا سيدي.. فأرّخ نضوب منابعي.. وأرّخ الهجر ! 

سأعتقك من مجاملتي وأريحك من مداهنتي.. وأترك لك الرطب واليَبَس !

سأطوي أسطرا جمعت كلانا في كتابٍ وسأصنع من الكتاب نسخة !

سأمنح لك ما نسختُ, وأبقي لي الأصل!

سأُودِع كتابي في فؤادي لأؤنسه ويؤنسني.. ولك يا سيدي أن..... تحرق النسخة !.


انتهى.


:) أعلم أنه ليس شعرا, ولا نثرا خالصا, ولا أعرف ـ حقيقةً ـ ما هو؟ لكن هكذا أملاه علي قلمي المبحر في خياله.

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

واكتملت أوراق البازل.. قصة طويلة بقلمي: حفصة اسكندراني ج6


أحداث الجزء الأول من هنا
وأحداث الجزء الثاني من هنا
وأحداث الجزء الثالث من هنا
أحداث الجزء الرابع من هنا
أحداث الجزء الخامس من هنا


باغتها.. بل باغت نفسه بسؤالها:
ما بها ابنة خالتي.. تقولين أنها مريضة؟..
فأجابته: ألم أخبرك من قبل؟؟
وكانت المفاجأة..
مسكينة وفاء.. إنها تذبل وتذبل, ولا أحد يعرف ما بها, لقد ظننا أنها أصيبت بمرض ما وقضت أياما في المشفى, لكن الأطباء لم يشخصوا مرضها, فأخرجوها من المشفى وعادت إلى المنزل وحالتها تزداد سواء وانطواء, وقد تأكد لنا أنها إما مسحورة أو معيونة, فلقد رفضت اتمام عرسها, وأشعلت النار في فستان زفافها, وألقت بمشترياتها وتجهيزات عرسها وكأنها أصيبت بالجنون, وانقطعت كذلك عن وسائل التواصل الاجتماعي فلم نعد نرى لها خاطرة منذ ذلك اليوم, ومسكينة خالتي منذ ذلك الوقت وهي تحضر لها مشايخ, وتذهب بها إلى أطباء لعلها تتعافى وتعود الى طبيعتها, ورغم أنها تحسنت إلا أنها لا تخرج لملاقاة أحد أبدا, وقد انقطعت عن دراستها, وخالتي المسكينة أصبحت تخشى تركها وحدها, لذا اعتذرت عن أشياء كثيرة في حياتها ومنها المجيء إلينا.
على الطرف الآخر كانت أصابعه تقبض على الهاتف بشدة حتى ابيضت مفاصلها..
سيل المفاجئات كان فوق احتماله وتخيله.. إنها لم تتزوج إذن؟ إنها لا تنتظر طفلا؟ إنها لم تزف لغيره؟ لم تَصْدُقْ إذن فيما كتبتْ! ولم تكمل مشوارها الذي قررت ان تخوضه باستسلام!.. لن تحكي لحفيداتها وبناتها أنها أحبت رجلا ثم ارتبطت بآخر!.. ثمة أمل خجول يلوح له في الأفق رغم تراكم السحب والضباب.. حتى أنه لم يستطع أن يكمل المكالمة.. فأغلق الهاتف ومازال صوت شقيقته ينساب عبر الأثير..
اتصلت أخته.. لم يرد عليها, بل بالأحرى هو لم يسمع جرس الهاتف فالأصوات داخله كانت أعلى من أي صوت..
هل صحيح أنها مرضت مرضا لم يشخصه الأطباء؟
أم أنها أصيبت بعين أو سحر بالفعل.. فالعين حق!
أيا كان ما أصابها.. لا يهم, سيعود لأجلها, سيسخر حياته لعلاجها, وحين تتعافى سيعيشان أجمل حياة..
ترى هل يمكن للأحلام أن تتحقق؟
بكى.. بكى من أعماق أعماقه.. ثم ضحك.. ثم قام ورقص, الصدمة جعلته مضطربا لا يعرف ماذا يفعل؟.
انقطاعها عن مدونتها وعن كافة وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت متألقة فيها لم يكن بسبب انشغالها بالزواج إذن, ولم يكن بأمر من زوجها الغيور كما تخيل, بل كانت مريضة لا يُعلم ما بها!!
مر أسبوع واحد بعد تلك المكالمة.. لم يتردد كثيرا في تحديد هدفه, لقد اعتذر عن استكمال دراسته, وأنهى جميع أوراقه وسلم سكنه, وها هو يحمل كل آماله معه في مقعد الطائرة عائدا إلى وطنه.
العودة الى الوطن لها مذاقها الذي لا يشبهه شيء.. كان فرحا بعودته فرحا جما,
كما صبي انتزعوه من حضن أمه ليذهب إلى المدرسة, هو يعلم أن المدرسة ستجعل منه رجلا قويا, لكنه في نفس الوقت لا يرى مبررا لفراق منبع دفئه الوحيد في هذه الحياة, وطوال يومه لم يهنأ بمدرسته الجميلة ولا بحقيبته ودفاتره وأقلامه الجديدة التي كان بالأمس فقط فرحا بها, صوتها.. صورتها.. بل رائحتها.. ودفء حضنها وملمس بشرتها.. أحلام سيطرت على خياله طوال وقته, هو يخشى ألا يعود إلى حيث الأمان.. إنه يخشى الضياع والحرمان, وبينا هو يعالج يأسه وبؤسه ويمسح دموعا اغترفها من بحر عينه؛ إذ بسائقه شاخصا أمامه قد أتى ليصطحبه إلى منزله.. إلى أمه.. إلى حيث الأمان, إلى حيث الدفء, إلى حيث حياة الدلال والدعة والحب.. فإذا به يقفز على سائقه قفزة الضائع من أهله أو العائد إلى الحياة بعدما عاين الموت, فيضمه ضمة عرفان, ويقبل رأسه وكفيه بامتنان, تماما كما كاد صاحبنا أن يفعل مع كل موظف من بلده رآه في المطار, وكأنهم مسخرون ومبعوثون باختيارهم في مهمة خاصة لنجدته وحده!.
 ومن نافذته في الطائرة لاح له الوطن الحبيب في الأفق فرآه بعين وجدانه قبل أن يبصره بعين رأسه, فتجمد لوهلة, وحدها دموعه التي راحت تشق طريقها أخاديد على خده, وظل عاجزا عن الحركة وعن كل تعبير, فكأن روحه استأذنته فتحررت منه بضع ثوان لأجل أن تحلق في هذا الفضاء الطاهر, لتحتضن تلك الجبال وهذه الوديان وتلك الصحاري الشاسعات, تود لو بمقدورها احتضان كل ذرة تراب فيها.. إنه تراب الوطن الذي لا يقدر بثمن!.
ومنذ هبطت طائرته مر كل شيء كما الأحلام, لم يتوقف به الزمن إلا حين ارتمى في حضن أخته وتعلقت هي برقبته, وقتها أدرك حقيقة واحدة.. كم كان أحمقا بهروبه ذاك! فثمة أدواء لأسقامنا الروحية لا تحتاج منا إلى هروب وغربة ورحيل, دواء نجده في أحضان أحبتنا يضاهي أمصال الغربة المركزة وجرعات جلب النسيان التي نرحل للبحث عنها!
كل شيء في منزل والديه كان يبعث اليه بنظرات عتاب صامتة, وكان على استعداد تام لاستقبال هذا اللوم من الأحياء قبل الجمادات, فحقا هو نادم لفراق بعضه وأصله ومنبته, وحين وقف في غرفته شعر بأن الثمانية أشهر التي قضاها في غربته قد طويت, رغم طولها ومعاناتها وقسوتها.. طويت حتى بدت كالحلم المغلف بالضباب, وبعودته هذه كانت العودة الى الواقع بعد انقشاع ذلك الضباب, فكأن سفره ببساطة كان غفوة, ويقظته عودة لاستئناف الحياة.
بقي أن يخطط من أين يبدأ؟ وكيف السبيل للوصول إلى حبيبته "وفاء".

انتهى الجزء السادس ونستكمل أحداث القصة بمشيئة الله في الأجزاء القادمة
همسة:


الاثنين، 18 أبريل 2016

أيّها الماهِرُ بِالقُرآنِ كُنْ حيًّا حِينَ تَمُوتُ!!



تنتابني موجة من القشعريرة حين أسمع الآيات تنساب بصوته الندي عبر الأثير, وقفاته ونغماته.. طلوعه في المقامات ونزوله, واستفهاماته وجواباته, بل وأنفاسه كلها = تأتيك حيّة مع الآيات, وكأنها بثٌ مباشرٌ له!, وكأنه يتلوها في هذه اللحظة!!.
ومنذ يومين وبعد انتهاء تلاوته في إذاعة القرآن الكريم؛ إذْ بالمذيعِ ينوّه إلى أن صاحب هذه التلاوة توفي فجر اليوم وانتقل من عالمنا إلى عالم الأموات, حتى أنه لم يدفن بعد!!
أي موطن ستخترقه فيك سهام خبر كهذا بعد استماعك واستمتاعك بتلاوته منذ لحظات؟؟
هذا الحي الذي سمعته؛ قد مات منذ قليل!!
أنا لستُ أتحدث عن الموت الذي يباغتُ الأحياء فينا فيصدمنا بخطفهم.. كلا, ففي حياة كلٍ منا عزيز اختطفه الموت وأوجعه فيه حد الانهاك, لكني أتحدث عن ميّتٍ وفي أثناء غسله وتكفينه والصلاة عليه كانت وسائل التواصل الاجتماعي تصدح بصوته هو.. وبتلاوته هو, واستمر ذلك أثناء دفنه, بل وفي ذلك الوقت الذي آتاه فيه الملكان للسؤال!!.
فهل التقطتَ هذا الشعور العجيب الذي شعرتُ به حين سَرَت الركبان لدفن الشيخ محمد أيوب (غرِّيدُ المسجد النبوي الشريف) بينما العالم كله في ذات اللحظة يستمع إلى صوته؟!
هل سرتْ في جسدك ذات القشعريرة التي تصيبني كلما تخيلتُ الهوة السحيقة التي فصلتْ بين الصوت وصاحبه؟؟
عالمان متباعدان.. عالم للأحياء فوق الأرض, وعالم لأحياءَ سجناء تحت الأرض, نعم أحياء سجناء تحت الأرض!.. أليست الحياة هناك تبدو هكذا؟!
لازال صوت الشيخ محمد أيوب بالمقام الحجازي المحبب إلى قلبي ينساب إلى مسامع الدنيا ولا يتوقف..
ما معنى الموت إذن إن كان الرجل يحيا بيننا ويصدح بخير كلام على وجه البسيطة؟
ليس هناك منصة تبث القرآن على وجه الأرض ـ تقليدية كانت أو حديثة ـ إلا وتضم صوته البديع ضمن أصوات قرائها, وبالتالي لا يتصور أن صوته الندي لم يدخل إلى السواد الأعظم من بيوت المسلمين الحرصين على أن تصدح بيوتهم بأصوات قراء القرآن الكريم في كل وقت وحين.
فقل لي بربك هل مفهوم الحي والميت لازال هو هو في نظرك؟
نعم هناك قراء كُثُر ماتوا وخلفوا لنا أصواتهم الجميلة تتلو القرآن, وهناك مشايخ خلفوا دروسا ومحاضرات؛ لكن موت الشيخ محمد أيوب وقربنا من الحدث وتفاصيله, ونقل صور الجنازة والعزاء والدفن عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت أيضا مشاعر الناس من مشارق الأرض ومغاربها بكثافة؛ كل ذلك جعل استشعارنا وتأثرنا بوفاته قد ترك أعمق الأثر في نفوسنا.
إن تعابيري عاجزة حقا عن وصف شعوري, لكني توصلت إلى قناعة, وبها أنادي كل قارئ متقن للقرآن, وكل شاب ماهر حافظ لكتاب الله, أنادي إخوتي ومعارفي ممن يتحقق فيهم الاتقان.. أن سجلوا أصواتكم بآيات القرآن حتى وإن بدت لكم أصواتكم متواضعة وليست جميلة, فليس شرطا أن يكون صوتك رائعا كي تسجله, استمع لأصوات المشايخ في إذاعات القرآن الكريم المختلفة؛ هل كل الأصوات جميلة لافتة؟؟ هل كل تلاوة أثرت في مسامعك وتسللت إلى قلبك وأوصلت لك الآيات ومعانيها؛ كانت بصوت بديع متمكن؟؟!
إلى متى ننشد الكمال الشكلي حتى نعجز عن ما هو أهم؟؟!
فدعك من الصوت وبساطته وسجل القرآن مستحضرا قلبك, عش معانيه واستشعرها, فوالله ما تتلوه وأنت تستشعر معانيه وهداياته؛ لابد وأن ينتقل إلى السامع فيرقق قلبه ويدفعه للتدبر دفعا.
فسجل ـ أيها الماهر بالقرآن ـ آياته بنية احياء صوتك به, فإن كنتَ تدرك أنه لن يصل إلى مستوى أن يبث في الإذاعات؛ فانشره بين أهلك وصحبك وأحبتك, فإن استحييت أن تفعل؛ فدعه وصية بعد مماتك, وقل لورثتك أن ينشروه ويوزعوه في أقاصي الأرض, ولا تعجز عن تحقيق هذا الهدف بالكلية, فكل السبل صارت ميسرة للتسجيل في زماننا هذا, فقط اعزم وتوكل على الله, فلعل الله أن يبارك لك في القليل, وها أنت ترى بنفسك كيف أن الشيخ مات وصوته باق, وقبله من القراء ماتوا وأصواتهم لازالت حية, فماذا تنتظر أيها الماهر بتلاوة كتاب الله؟ ماذا تنتظر يا حافظ القرآن؟ اترك بيدك صدقة جارية عن نفسك, فلعل الله أن يرحمك بها.. ولعل الله أن يتجاوز عن سيئاتك وتقصيرك بآية منها.
فرحم الله شيخنا وقارئنا وغِرِّيدُ مسجد رسولنا , ورزقنا الله وإياكم حسن الخاتمة, وجمعنا وأحبابتنا في مستقر رحمته.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


حفصة اسكندراني

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

سألني: زوجتي لا تحب القراءة أبدا.. فماذا أفعل؟!



راسلني أخ فاضل (أحسن الظن بي وإن كنت لا أعرفه) على بريدي قائلا :
اختي الفاضلة أنا موظف ومتزوج منذ أكثر من عشر سنوات, وزوجتي تحمل شهادة المرحلة الثانوية فقط، ومشكلتها أنها لا تحب القراءة أبدا، وكأن بينها وبين القراءة عداوة أبدية، رغم أني حاولت معها بشتى أنواع الطرق.. لكن للأسف كلها فشلت, وعندما بدأت اقرأ مقالاتك في منتدى أهل التفسير حاولت جذبها لتقرأ لك وتتعرف عليك خاصة وأنها تذهب إلى مدارس التحفيظ.. (وهو نفس مجال تخصصكم)، ويعلم الله يا أختي الفاضلة كم أنا شاكر لك، فلقد استفدت من كتاباتك بشكل كبير على الرغم أنني لم اقرأ لك إلا منذ ما يقارب الشهرين, وأنا أريد على الأقل توجيهاتك لي أنا أولا عن ما هي الكتب التي استفدتي منها وزودتك بهذا الأسلوب الجميل في الكتابة؟ وتوجيهاتك لها هي؟

انتهى كلامه..
فكان مني هذا الرد:

حياك الله أخي الكريم.. ووفقك
وأعتذر عن تأخري في الرد لانشغالاتي التي لا تكاد تنتهي حتى تتكاثر وتحتشد!!
 شغلنا الله وإياكم بطاعته، وبعد..
أولا وقبل كل شيء.. تأكد يا أخي الكريم أن الحياة مع امرأة مثقفة (قارئة.. كاتبة أو شاعرة) ليست عيشة سعيدة هانئة على ما تظن, بل قد تكون حياة ضنكا، حياة جافة لا جمال فيها ولا روح!..
فاشمخ فخرا بزوجك حتى وإن كانت لا تحب القراءة.. فما أدراك لو أحبتها وعشقتها حتى أذهلتها وذهبت بلبها.. فاستعذبت مذاق نبيذها وأدمنت احتساءه الكأس تلو الكأس.. ما أدراك لو حدث ذلك أن تزدري حينها زوجها وثقافته؟ وعيشها وبساطته؟ حتى ترى ثقافة زوجها ضحلة لا تتناسب مع طموحاتها، وتعابير حبه سمجة بسيطة لا ترضي ذائقتها.. مهما تشدق بحلو الكلام وحاول أن يزينه لها ويجمله، وقد تصل الزوجة إلى الحد الذي تزدري فيه حياتها مع ذلك الزوج وتزهد رتابتها وبساطتها..
فاحمد الله أيها الزوج على أنعم الله التي أنعم بها عليك, وشجع زوجتك على قراءة وحفظ خير كتاب، ولا تستهن بإقبالها عليه وانشغالها به.. ففيه عزها ورفعتها، ونجاتها وفلاحها، وهو مقوم للسانها، ومنبع أصيل لفكرها وثقافتها، وهو تاج فخر لمن انشغل به، وأبحر في علومه ودقائقه.. فهو كتاب يجذب النفس ويبهرها, ويغذي الروح ويأسرها, ويطلق العقل بالتأمل والتفكر, والتّروي والتّدبر, ويحرّره من أغلال الجهل وزنازين الخرافات.. فيه جوامع الكلم، وجوامع السّير, وجوامع الإعجاز, وجوامع الهدي والأخلاق، وجوامع كل رقيّ وفلاح.
لذا اصرف اهتمام زوجتك إليه بقوة.. ودعك أيها الزوج الفاضل من دفعها للقراءة مادامت لا تقبل عليها بمحض إرادتها, ولا يحركها شوق نابع من أعماقها للاختلاء بكتاب.. فثمة عادات لا نستطيع اكتسابها ولا تنميتها على الوجه الصحيح إلا إذا أشعل جذوتها رغبة داخلية نابعة من أعماق نفوسنا !.
وإني لألفت انتباهك أيها الزوج الفاضل لأن تتأمل في جمال ما تملك هذه المرأة, ودعك مما ينقصها.. فهذا نقص لا أعترف به أنا شخصيا, ولست أرى أن لتمكني من الكتابة (هذا في حال افترضنا جدلا أنني أجيدها بالفعل).. لا أرى في ذلك = ميزة لي على الأميات من الزوجات, فكيف بزوجتك المتعلمة خريجة الثانوية؟؟!!
إن الحياة الزوجية الدافئة الناجحة يا أخي الكريم منظومة أخرى.. لها أسباب نجاح عميقة لا تعرف السطحيات، قد تجدها بين اثنين جاهلين تحت خيمة في صحراء أوثق عرى منها في بيت مثقف يحمل أهله أعلى الشهادات!
فدع القشور لأهلها وانشغل بما حباك الله تحت القشور من هبات.

وحقيقة لقد سعدت يا أخي الكريم برسالتك وباهتمامك بأمر زوجتك.. وهذا إن دل فعلى مودة ومحبة تخفيها لها في صدرك.. وإني لأسأل الله أن يرفع قدركما ويزيد محبتكما.

(انتهى الشاهد الذي أردت نقله من هذه الرسالة بعد تصرف وإعادة للصياغة وتغيير طفيف في معلومات السائل).

بنت اسكندراني
حرر 25 جمادى الآخر 1437ه