الأربعاء، 1 فبراير 2017

صَفْعَةُ استِفَاقَةٍ!!

في خضم ضجيج هذه الحياة, ومن مركز إعصارها الصاخب = نشعر أحيانا بحاجتنا للتوقف, للهروب وللانسحاب, وللكثير من البكاء!, لكننا وللأسف لا نفعل؛ لا نتوقف، ولا نهرب من الواقع الذي لا نريده, ولا ننسحب, بل وأحيانا لا نرغب في أن نفعل!, نحن فقط نستسلم ونمعن في الاستسلام رغم حاجتنا للهروب وللمواجهة!.

 ندرك تمام الإدراك أننا نغرق باستسلام في وحل يصعب الخلاص منه, وندرك تمام الإدراك أننا بحاجة إلى صفعة قوية, صفعة تُوقف الزمن, وينقطع بها إدراكنا لكل الصخب الذي حولنا, إنها صفعة استفاقة, تهز كياننا, وتجمع ما تشتت من تركيزنا, لتفجر حاجز الصمت والعجز, وتمزق حبائل الاستسلام التي تقيدنا, فنغير دفة الاتجاه, لنبحر في الطريق الذي أضعناه.

نعم نحن ندرك حاجتنا لهذه الصفعة الناصحة المقوِّمة عند ضياع أهدافنا, لكننا ومع الأسف قد لا نجد من يصفعنا!, ولا نجد من ينتشلنا من جموع اللاهين, ويجذبنا إلى صدره بحنان ليمنحنا لحظات نفجر فيها ما احتُبس داخلنا من بكاء وغضب, وحزن وقلق, وألم وبغض لأنفسنا ولواقعنا الذي استسلمنا له.

في بعض الأحيان نحاول رغم اليأس والعجز المعشعش في أعماقنا = إلقاء أنفسنا أمام شخص له مكانة في قلوبنا لنستفزه بمساوئنا, ونكشف له عورات سلوكنا عن عمد, ونحن نأمل في أن يكون هو صاحب الصفعة التي سترتطم بحاضرنا لتنتزعنا منه, وهو صاحب اليد الحانية التي ستحتوي أكفنا وتحتضن شعث قلوبنا, لكن إلقاء المرء نفسه أمام من يصفعه هو فعل يتطلب جرأة متناهية, قد لا يمتلكها الواحد منا مع ما يعانيه من عجز ويأس, لذلك تفوته فرص النجاة, فيظل ينجرف في دوامته الصاخبة مستسلما, ينتظر أن تُهدي له الأيام شخصا يصفعه, فما يكون منه حينها إلا أن يتعلق به كما الغريق بالقشة, وأنى للقشة أن تنقذ الغريق خاصة وأنه قد فوت على نفسه أوان النجاة ببلاهة وحمق وغباء!.

إن استسلامنا لواقع لا نريده سواء في علاقتنا مع الله تبارك وتعالى, أو في علاقتنا مع الناس, أو في عزوفنا وانشغالنا عن تحقيق أهداف ارتسمناها لأنفسنا = لهو ظلم عظيم في حق أنفسنا, وفي حق حاضرنا ومستقبلنا, ولابد لهذا الظلم أن يُجابه ويُحارب ويُستأصل.

جميلٌ أن تجود لنا الحياة بشخص حنون صادق مخلص ومحب ليصفعنا صفعة الاستفاقة التي نحتاج اليها متى انحرفت مراكبنا, لكن من السذاجة أن نضيع أنفسنا وأعمارنا في انتظار شخص يفطن لحاجتنا للاستفاقة, ثم يُمنح التوفيق في توجيه الصفعة المناسبة لنا, فليس كل صفعة تنجح, فثمة صفعات سلبية تزيدنا رغبة في الاستسلام والضياع!.. لكن الأجمل من انتظار شخص محب فطن هو أن نجد حلا بأنفسنا؛ فبإمكاننا حقا أن نصفع أنفسنا بأنفسنا, ونقيم حربا داخلنا, بإمكاننا أن ننازل اليأس والاستسلام, نحاوره.. نناقشه ونحاكمه, بإمكاننا أن نصرخ فنُسمع آذاننا ـ دون أن يُسمعنا الآخرون ـ كم نحن بعيدون عن الطريق الذي نحب أن نكون فيه.

بإمكاننا حقا أن ننقذ أنفسنا بأنفسنا مستعينين بقوة الله على ضعفنا وعجزنا, فنصنع المستحيل, ونغير دفة الاتجاه إذا انحرفنا, دون الاستعانة بناصح, فالاستسلام والعجز, وضياع الأوقات والأعمار, وهدر الطاقات, والغفلة عن أهدافنا الكبرى في الحياة = حقا لا يليق بنا.

بقيتْ همسة أود أن أهمس بها في أذنك أيها الفطن.. تفقد أحبتك ومَنْ حولك من وقت لآخر بنظرة ثاقبة مشفقة, فرب ضائع منهم يحتاج لصفعة ناصح تعيد له رشده, وتأخذ بيده إلى الدرب القويم, فاجعل من راحة كفيك بلسما لأمثال هؤلاء, ومن ضلوع صدرك ملجأ حصينا لهم, وحضنا دافئا يخلصهم من زمهرير همومهم.



حفصة اسكندراني