السبت، 8 أبريل 2023

مُعجِزَةُ الحِمَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ !



بسم الله الرحمن الرحيم 

مُعجِزَةُ الحِمَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ ! 

(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ..) 
نعم إنها (آية الكرسي) تلك التي اعتدنا أن نقرأها بشكل آلي على فُرُشنا كل ليلة، نقرأها لأجل أن تحمينا من الأحلام المزعجة والكوابيس، ولأجل أن يوكل الله بنا ملائكة تحفظنا بأمر الله من أذى الشياطين والجن.

البعض منا حين يتلوها يتمتم بها بخفوت ورتابة، والبعض يجهر  بها بقلق كي يسمعها للعوالم الغيبة من جن ملائكة، فكأنه يعلمهم أنه قد قالها..! 
لكن الأمر ليس كذلك.. 
فأولى من نُسْمِعَه (آية الكرسي) حين نتلوها هو أنفسنا!، فآية الكرسي ليست مجرد كلمات تقرؤها لتحصل بها الحماية التي ترجو، وإنما بقدر إيمانك بما تتلوه تكن تلك الحماية!.

فشتان بين من يستحضر حين يقرؤها أنه العبد الضعيف المنهك الذي احتاج إلى النوم ليريح عقله وجسده البشري الضعيف، وأنه وفي قمة هذا الضعف إنما يركن إلى الحي القيوم الذي لا يغفل ولا ينعس ولا ينام.. شتان بينه وبين ذاك الذي يقرؤها وهو غافل عن عظمة الله وقوته. 

شتان بين من يستحضر أنه إنما يوثق صلته بملك الكون الذي له ما في السماوات والأرض العالم بكل خفاياه في الماضي والحاضر والمستقبل.. وذاك الذي يقرؤها ثم يغالبه النوم قبل إتمامها، أو تغالبه غفوة من نعاس في أثناء تلاوتها ثم يستفق ليجد لسانه قد حرّف النص القرآنيً وحاد عنه! 

شتان بين من يقرأ (آية الكرسي) لا يفقه منها معنى، ولا يدرك من عظمتها وجها، وبين من يستشعر حين يتلوها صغر حجمه، وضآلة نفسه مقارنة بملك الملوك الذي وسع كرسيه السموات والأرض، فكيف بالعرش ذاته؟ وأين هو هذا العبد من هذا الكون الفسيح؟ وكيف أتيح له وهو العبد الضعيف أن يصل حباله بمالك الملك الذي لا يعجزه حفظ الكون وما فيه؟! فأنى لهذا العبد أن يشقى أو يقع فريسة للجن والشياطين بعد هذه الوقفة الروحانية؟!. 

ولو تأملتَ تجد الغرب المتمدن لديه حل لكل مشكلة، ولديه سلاح لكل عدو.. إلا الشيطان، فإذا ما تسلطتْ الشياطين على أحدهم في يقظته أو في منامه كدرت صفوه، ونكدت عليه حياته، وأذهبت لبّه، وانتهت به مجنونا أو سكيرا أو مدمنا لما يذهب عقله ويريحه من واقعه، أو مستعينا بالمزيد من الجن والسحرة لتخفف عنه ما هو فيه، هذا إن لم يكن الانتحار أفضل خياراته. ولو أن الذين يعانون من غير المسلمين من تسلط الشياطين يعلمون بالذي أنعم الله به على المسلمين من هذا السلاح الصارم البتار؛ لتزاحموا على دخول الإسلام من أجل ذلك.. ودونك قصص وأفلام هؤلاء تشهد كيف يعذبون من تسلط الشياطين حد اليأس وحد الجنون. 

وليس كل من يقرأ آية الكرسي قبل النوم يجد أثرها، فإن لم تستشعر عظمة الله وأنك أنت وكل شيء تخاف منه؛ إنما جميعكم ذرّات في كون الله، فإن لم تستشعر ذلك فلا تقل: قرأتُ آية الكرسي ولم أجد لها أثرا!! فهاك مفتاحها بين يديك، والمزلاج هناك في قلبك وليس في لسانك، فأدخل المفتاح في مكانه الصحيح حتى تنعم بحماية الله لك، وستظل هذه الآية سلاحا بين يديك لطالما تعلمت كيف تمسك هذا السلاح وكيف تستعمله، إنها سلاحك ضد مخلوقات لا تراها، ولا تدرك كنهها، ولا تعرف من أي زاوية ستؤذيك ومن أي موضع ستنقض عليك، فإذ بك بكلمات تتلوها تصبح أنت القوي وهي الضعيفة! وأنت المنتصر وهي المغلوبة!، وهب أن بك سحرا أو حسدا لا سمح الله؛ فاعلم أنك لا تزال تقرؤها وتقرأ آيات كتاب الله بإيمان ويقين المرة تلو المرة حتى يفك الله ما بك من أذى، وينصرك على الجن والشياطين، ويخرجك من سراديبهم المظلمة دون الحاجة إلى مشايخ ولا رقاة، بل يكفيك كتاب الله وخاصة آية الكرسي والمعوذتين والإخلاص منه. 

وستبقى (آية الكرسي) معجزة الحماية الربانية الكبرى التي أنعم الله بها على عباده في حربهم الأزلية مع عالم الشياطين والجن، وتكتمل تلك الحماية بذكر من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث الصحيح : ((مَنْ قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلْك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك))، فإذا جمعت بين هذين السلاحين فاعلم أنك في حصن قوي بالله، لا يخيفك خلق من خلقه، ولا يضعفك سحر ولا حسد.

فما أعظم نعم الله علينا بآية الكرسي والمعوذات والأذكار وسائر القرآن!.

 

والله لو عكفنا لله شكرا على هذه النعم ما وسعت أعمارنا شيئا من ذلك، ذلك لأنها سند روحي عظيم نحن بحاجة له كل صباح ومساء، وعقب كل صلاة، وعند الخلود إلى النوم والضعف، وعند المرض، وعند الانكسار، وعند الخوف، وعند سكرات الموت، لتذكرنا أننا  إنما نستمد قوتنا من عظيم السموات والأرض الذي (لَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). 


فاللهم احفظنا بالقرآن قاعدين واحفظنا بالقرآن قائمين واكتبنا عندك من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 
بقلمي/ حفصة اسكندراني 

17 رمضان 1444