السبت، 25 يناير 2020

خاطرة عن الرجاء والخوف من الله...

كل
ما غلب الرجاء فيك على الخوف من الله وداخلتك ثقة عمياء في أنك داخل في رحمة الله وأنك من أهل جنته؛ فتذكر الحديث القدسي:
"أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه".

فقل لي بربك أي عمل ذاك الذي لم يداخله ولو ذرة من شرك؟!

تفكر / تفكري رحمك الله في عبادتك..

أي عمل تغلبت فيه على كل مشتتات الاخلاص، حتى اجتمع عليك قلبك مخلصا لله وحده؟

عدد/ عددي أعمالك التي توافق هذه الشروط.. فإن رأيتها معدودة فأمسك بتلابيب الخوف، فإنما نحن مقصرون في كل العبادات والله، فلنوازن بين الرجاء والخوف على الأقل حتى نسلم بإذن الله.

وإني والله لأزعم أن هذا الحديث مقلق لمضاجع المتقين، وشاغل لألباب القانتين، وحين بحثت عن تعليقات بعضهم عليه وجدت الإمام أحمد رحمه الله يقول: " أمر النية شديد "، ويقول سفيان الثوري: " ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي"، وقال أحد الصالحين: " أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي".

هذا قول الصالحين.. فما بالي وبالك نرجح الرجاء على الخوف على رداءة وضئالة ما نقدم؟؟!!.
فاللهم ارحم ضعفنا.

الجميل أنني قرأت تتمة لما سبق من أقوال الصالحين؛ قول العلماء:
(ومع ذلك فالإخلاص لله ليس بالأمر المستحيل، إذ من المحال أن يكلفنا الله ما لا نطيق، فمن الأمور التي تعين العبد على علاج الرياء الاستعانة بالله والتعوذ الدائم به، وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال : ( يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله : قال : قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ) رواه أحمد .

فاللهم أعنا ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا وجميع أحبتنا على الإخلاص وارزقنا واياهم عملا زاكيا ترضى به عنا فلا تسخط بعده أبدا.

وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حفصة اسكندراني

الجمعة، 10 يناير 2020

أتساءلُ: هل يدركُ قلمي الزمانَ والمكانَ؟ (خاطرة)

أتساءلُ: تُرى هل يدركُ مدادُ قلمي الزمانَ والمكانَ حولي فيغدقُ عليَّ بسخاءٍ حينَ أكونُ حيثُ أحبُّ وأنتمي؛ بين أهلي وأحبتي، ويمسكُ عني في غيرِ ما مكانٍ وغيرِ ما زمانٍ؟!..

أم هو محضُ تصادفٌ؟؟!




في داخلي جُملٌ مبتورةٌ.. (خاطرة)

في داخلي جملٌ مبتورةٌ..
بَتَرْتُ أطرَافَها بمحضِ إرادتي، وتركتُها مشوّهةً حزينةً سجينةً، يستندُ بعضُها على بعضٍ، ويشكو بعضُها همَّهُ لبعضٍ.
تترقبُ جُمَلي أن أنظرَ إليها بعينِ العطفِ، فأصلحَ فيها ما أفسدتُ، لكي أُعتقَها وأطلقَها إلى مسامعِ الناسِ الواحدَة تلوَ الأخرى في أبهى حُلّةٍ وأجملِ صورةٍ.
ولأني - وعلى غير عادتي - متعكرةَ المزاجِ؛ أميلُ إلى الصمتِ وأجتنبُ الكلامَ؛ فإنَّ جُلَّ ما أتقنَه هو أن أرسلَ إليهم كل يومٍ بالمزيدِ من الجُمَلِ المشوّهةِ بالعاهاتِ والكدمات والعللِ.




الخميس، 9 يناير 2020

حِينَ يُقالُ: اقْرَأ وَارْق.. خَواطِرُ وتَأَمُّلاتٍ


 حِينَ يُقالُ: اقْرَأ وَارْق.. خَواطِرُ وتَأَمُّلاتٍ

أصعبُ لحظاتِ الحياةِ هي لحظةُ الاختبارِ، حيثُ يتوقفُ الزمنُ، وتبهتُ الألوانُ، وتتباطؤ حركةُ دورانِ الأفلاكِ، حينها تخبو كلُّ الأصواتِ حولنا حتى تتلاشى، وبالمقابلِ ترتفعُ أصواتُ النفسِ.. فيسمعُ الواحد منّا صراعاتِ عقله مع عواطفِه ومشاعرِه مجلجلةً في الأرجاءِ، ويسمعُ في لحظاتِ الصمتِ الذي يتخللُ تلك النقاشاتِ صوتَ ضخاتِ قلبه كطبولِ حربٍ تعلنُ حالة الاستنفار، بينما أنفاسه المضطربةُ تزمجرُ ريحاً في الأنحاءِ، باختصار: إنهُ الاختبارُ!!، وسواءً كان هذا الاختبارُ تحصيلا دراسيا أو مهاريا، أو كان نازلةً من نوازلِ الدهرِ، أو درسا حاسما من دروسِ مدرسةِ الحياةِ؛ يبقى الاختبارُ بجميعِ أشكالهِ من أثقلِ الأمورِ على النفسِ، وأكثرها إثارةً للقلقِ والمخاوفِ في أعماقِ قلوبنا.

وحينما أبحرُ داخلي وأتسللُ في أعماقِ مخاوفي أجدُني أهابُ لحظةَ اختبارٍ آخرَ لم يجربه أحدٌ بعد، ذلك الاختبارُ الذي يقضُّ مضاجعَ كلِ حافظٍ لكتابِ اللهِ وكل مَنِ اشتغلَ بمشروع حفظ القرآن الكريم، وتبدأ فصول ذلك الاختبارُ حينَ (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) روى الترمذي (2914) وأبو داود (1464)
نعم يقلقني هذا الحديثُ، ويشغَلني التفكيرُ فيه، ترى هل ستسعفُني ذاكرتي في موقفٍ مهيبٍ كهذا لكي أقرأَ ما حفظتُ؟، ترى هل ستقوى فرائصي على الثباتِ وأنا أعلمُ أنني إنما أنتقي مكاني من منازلِ الآخرةِ بشكل حسميٍ ونهائيٍ؟، أتراه سينطلقُ لساني في موقفٍ تشهده الملائكةُ وأنا أراها عيانا حولي مدَّ البصر؟، يالهُ من اختبارٍ صعبٍ!! وصعوبته تكمنُ في ذاتهِ و في توقيتهِ، فقد جاءَ بعد أهوالٍ حالكاتٍ وجملة اختباراتٍ؛ فبعدَ النجاةِ من عرصاتِ القيامة بأهوالها، وعبورِ الصراطِ فوقَ نارٍ مستعرةٍ متأججة، وبعد النجاةِ من الجحيمِ وكلاليبها وشررها المتطايرِ، يأتي هذا الموقف المصيري ليحددَ جودةَ حفظِ الواحد منا لكتابِ اللهِ، وليحددَ منزلتَه من الجنةِ.. فهل ياترى سيفتحُ عليّ حينها؟ وهل سأستجمعُ نفسي بسهولةٍ؟! تلك النفسُ التي تفزعُ من صرخةِ استغاثةٍ، وترتعبُ من صوتِ رعدٍ، وترتاعُ من خيالِ حشرةٍ، وتبكي من هولِ حادثٍ مروريٍ ليسَ فيه وفياتٌ أو إصاباتٌ!! .. ترى هل سأستجمعُ نفسي بعد المرورِ بتلك الأهوالِ لأسردَ حفظي؟!

كان هذا الخاطرُ يجولُ ببالي فيقلقني، فلا أملكُ سوى أن أدعو اللهَ أن يتغمدني بواسعِ رحمته، فيرحمني في جميعِ تفاصيلِ رحلتي بعدَ الموتِ، سواءٌ في تلك التفاصيلِ التي أعرفها وأجهلُ كنههَا، أم تلك التفاصيلُ التي أجهلُها ولا أعرفُ كيفَ يكونُ حالي فيها، والتأملُ والتفكرُ في رحلتِنا بعد الموتِ إلى أن تحطُ رحالنا في دار القرار أمرٌ مقلقٌ ومخيفٌ، لكن شاءَ اللهُ تبارك وتعالى أن أتأملَ حديثا كنتُ قد سمعتُه كثيرا من قبل، لكنه وقعَ مني اليومَ موقعَ التأمل والتفكرِ، فغيّر بفضل الله جميع حساباتي..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يَجيءُ القرآنُ يومَ القيامةِ فيَقولُ: يا ربِّ حلِّهِ، فَيلبسُ تاجَ الكَرامةِ، ثمَّ يقولُ: يا رَبِّ زِدهُ، فيلبسُ حلَّةَ الكرامةِ، ثمَّ يقولُ: يا ربِّ ارضَ عنهُ، فيقالُ لَهُ: اقرأْ وارْقَ، وتزادُ بِكُلِّ آيةٍ حسنةً"
من صحيح الترمذي
لأول وهلةٍ وقفتُ ملجمة أمام ترتيبِ الأحداثِ في هذا الحديثِ، وحين استوعبتُها شعرتُ بسعادةٍ بالغةٍ تكادُ تحلّقُ بي، فكأنما سُقيتُ الماءَ الزلالَ من بعدِ ظمإٍ، وإذ بسمائي تبتهجُ آذنةً بهطولِ غيثٍ مدرارٍ على أرضٍ أحزنها طولُ الجدبِ.
فذلك الموقفُ الذي يقلقني لن يكونَ موقفَ اختبارٍ كما تبادرَ إلى ذهني، بل هو موقفُ تشريفٍ وزيادةٍ، ولن تكونَ النفوسُ فيه وجلةً قلقةً حزينةً، بل هي فرحةٌ سعيدةٌ مستبشرةٌ، تختالُ في حلةِ الكرامةِ التي كُسيتْ بها، وتتمايلُ بتاجِ الكرامةُ الذي زينَ رأسَها، والأجملُ من ذلك كلِّه أنها قد حظيتْ برضوانِ اللهِ، فما ظنكم بنفسٍ قد رضيَ اللهُ عنها.. هل تخطيءُ وتتلعثمُ حين يقال: اقرأ وارق؟! هل تقلقُ وتتوجسُ؟ هل تخافُ وترتعبُ؟ هل يداخلها حزنٌ أو ندمٌ أو حسرةٌ؟؟!، والله لو سبقَ رضى الرحمنِ عنا هذا الاختبارُ لكان توفيقَ اللهِ حتما حليفُنا.

ولو تأملنا حديثَ الغمامتانِ.. الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : (اقرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي شافعًا لأصحابه، اقرؤوا الزَّهراوَين: البقرةَ وآل عِمرانَ، فإنهما يأتيان يومَ القيامة كأنَّهما غمامتانِ أو غيايتانِ أو فِرقانِ مِن طيرٍ صَوافَّ تُحاجَّانِ صاحِبَهما...) رواه مسلم
لو تأملنا هذا الحديثَ لأدركنا أن الأمنَ سيصطحبُ حافظَ القرآنِ منذ أولِ وهلةٍ له في ذلك اليومِ العصيبِ، بل من لحظةِ انشقاقِ الأرضِ عنه بعدَ البعثِ إلى يومِ الدينِ.. فعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: (إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ . فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ : مَا أَعْرِفُكَ . فَيَقُولُ لَهُ : أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا . فَيَقُولَانِ : بِمَ كُسِينَا هَذِهِ ؟ فَيُقَالُ : بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا) رواه أحمد في "المسند" (394) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829)

فما أعظمَ الأخذَ بالقرآنِ!، وما أشدَ حسرةَ تاركه والمفرط فيه!، فالأخذ بالقرآنِ من أربحِ الصفقاتِ، وأعظمِ التجاراتِ، فنعمَ الاستثمارُ استثمارٌ مربحٌ تستثمرُه في نفسِك وفي أهلكَ وولدِكَ، ونعمَ البرُّ والوفاءُ أن تسعى لتكريم والديْكَ في محفلٍ مهيبٍ يشهدُه الأولونَ والآخرون.
مع القرآنِ أنتَ الرابحُ الذي يغبطك الكون، يشقى الناسُ ويستوحشون بينما القرآنُ أنيسُكَ وسلواكَ، فمع القرآنِ أنتَ المطمئنُ الواثقُ من رحمةِ اللهِ حتى في النوازلِ والمصائبِ، مع القرآنِ تأتيكَ البركاتُ وتحتشدُ في سماءِك البشرياتُ، وتزهرُ تحتَ قدمِكَ كلَ أرضٍ تطؤها.. فأيُّ شرفٍ أعظمُ من هذا؟!


اللهم اجعلنا نحنُ ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا وجميعَ أحبتنا من أهلك وخاصتك، اللهم اجعلنا من حفظةِ كتابك العالمين العاملين به، اللهم علمنا منه ما نسينا وفقهنا فيه وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم و ألبِسنا به الحلل وأسكنا به الظلل، وأسبغْ علينا به النعم، وادفع به عنا النقم، وارفعنا به لأعلى منازلِ الجنةِ برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بقلمي/ حفصة اسكندراني
https://vb.tafsir.net/tafsir58581/#post293478