السبت، 18 يونيو 2016

كان بيننا لكنه توفي بالأمس!!..


 كان بيننا لكنه توفي بالأمس!، توفي في شهر رمضان المبارك، وقد كان مثلي ومثلك يؤمل أن يتمه!، ولديه خطط للعيد، وما بعد العيد، بل لديه طموحات بذل جهدا لتحقيقها وهاهي ثمارها قد دنت واستوت استعداد للقطاف!.
لقد توفي بالأمس.. هكذا قالوا، وأرفقوا الخبر برابط حسابه على تويتر!!.
لم أكن أعرفه ولم أسمع به حتى قالوا توفي رحمه الله، ولقد شدني الفضول لأتصفح حسابه الشخصي!، وليتني ما فعلت!، فلقد أرهقني وأحزنني التنقل في بستان فكره العامر بالعطاء.
حسابه في تويتر ينبض بالحياة للحد الذي يشعرك أن تغريدة جديدة ستنشر الآن، وأن فكرة ما ستكتمل الآن الآن، وأن جدالا راقيا سيدور حول السياسة والدفاع عن حقوق المسلمين في هذه اللحظة!!.
لا شيء يوحي في الحساب بأن صاحبه قد مات، فهنا وهناك أنصاف أفكار وحوارات لم تكتمل بعد!.
لم يتسنى لأهله أن يكتبوا: (لقد توفي صاحب هذا الحساب) بعد، ربما شغلوا بمراسم العزاء!.
وأنا وأنت لم يكتب في حساباتنا: (لقد توفي صاحب هذا الحساب) بعد، ونكاد لا نتخيل حدوث ذلك أصلا، هذا لأننا لاهون بما بقي من أعمارنا ونظن أننا باقون، وأن في العمر الكثير.. حتى شغلنا طول الأمل!
لا أدري لم استفزني قلمي للكتابة عن إنسان لا أعرفه، لكن حسابه يؤنسك فيشعرك أنك حقا كنت تعرفه وتعجبك حروفه وتغريداته وتتابعه منذ زمن!
لا شيء في حسابه بتويتر يوحي لك بأنه توقف أو أن صاحب الحساب حقا مات - كما يقولون - سوى تغريدة واحدة كان يغرد بها كل جمعة ومعها صورة أخاذة للطبيعة، تغريدة يذكر الناس فيها بأهمية الصلاة على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه التغريدة الدورية لم تنشر أمس الجمعة على غير العادة!! لماذا؟
لأن صاحب الحساب بالفعل قد مات!!.
 ما أسرع تقلب الأحوال وانتهاء الآجال، لقد بتنا نألف سماع النهايات: فلان مات، وفلان انتهى!!.. السليم قبل المريض!، والصغير المفعم بالحيوية قبل الكهل الكبير!، وطيب الذكر قبل الطاغية الظالم الذي يتمنى الناس موته!!، فعجبا لتصاريف القدر!
حتى أحداث عالمنا السياسية وقضايا أمتنا التي نحترق لأجلها ونترقب نهاية لمآسيها = يبدو أن أعمارنا أقصر بكثير من أن تستوعبها!!
نتفاعل مع الكثير من الأحداث وننفعل، بينما موقعنا منها ليس أكثر من شاهد عاين زاوية واحدة من حدث ما، وقد كان يظن نفسه فاعلا، لكن أجله باغته فجأة فخرج من الحياة دون أن يشهد بقية احداث القضية التي كانت تشغله!!
 وهكذا تمضي الحياة بين فاقد ومفقود، وشاهد ومشهود، بل إن حسابتنا على وسائل التواصل الاجتماعي تلك التي نقضي أوقاتا لنجمل ما ننشره فيها لكي نصل بها إلى القلوب؛  هي ذاتها التي ستكون خنجرا يؤذي قلوب أحبتنا بعد وفاتنا!، فهم حتما سيقرأونها حرفا حرفا، وسيستجدون خط النشر كي يجود لهم بالمزيد!.. سيطالعونها كل صباح على أمل أن يعود ضخ الدماء إلى عروقها ثانية!.
للأسف ستظل حساباتنا تشغلنا مادمنا أحياء،وتشقي أحبتنا إذا صرنا أمواتا!!، لكن الأصعب تصورا والأشد إيلاما أن تكون حساباتنا التي نأنس بها في الدنيا هي هي سبب شقائنا  بعد موتنا لا سمح الله.
فرحم الله الدكتور علي العبيدي @DrAliabeedi وأبدله حياة أفضل من حياته، وجعله من أهل النعيم هو وكل فقيد فقدناه، وكل مسلم رحل عن الحياة عرفنا به أم لم نعرف..
اللهم أرحم موتانا وموتى المسلمين اللهم أحسن وفادتهم، وتغمدهم برحمتك، ونور قبورهم، وصبر قلوب محبيهم، وارحمنا برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.