الأربعاء، 30 يونيو 2021

المقعد المجاور لي في القطار!

أثناء تصفحي في وسائل التواصل الاجتماعي وجدت منشورا لإحدى الفتيات تحكي عن تجاربها في الحياة فتقول: "ولا يزال الشخص صديقا لك حتى تنتهي مصلحته وحاجته، ومتى انتهت تلك المصلحة فلا تعجب إن فقدت أثره وانقطع عنك خبره.." 
فشدني ألمها وتوجعها واتهامها للناس حولها بالخيانة والأنانية والكذب، وتمنيت فيما لو أنها نظرت للأمور من زاوية أخرى، فلعلها تكون أخف وطأة وحدة من الزاوية الحزينة التي تقوقعت بها، فكتبت معلقة على منشورها:

عزيزتي.. أفهم الحياة بشكل مغاير عنك بعض الشيء، وفهمي هذا يريحني في هذا الموضوع بالذات. فحياتنا رحلة قصيرة في قطار سريع، وحول القطار قطارات أخرى، وتحتها مسارات مختلفة. بعض القطارات تلتقي ببعضها حين تتوقف في المحطات، ثم تتفرق ثانية! والناس في حركة نزول وصعود مستمر.

هذه هي الحياة ببساطة! هناك الكثير من المقاعد الفارغة حولي وحولك، وجلوس أحدهم في المقعد المجاور لي أمر يؤنسني، لكن الجميل أن أتفهم جيدا أنه لا يلزم الجالس بجانبي أن يستمر معي في ذات المقطورة حتى لو كان من أقرب الناس لي (كوالد ووالدة وأخ وأخت أو زوج وولد)، فمصالح كل منا قد تتعارض وتختلف يوما، فيحتاج للنزول ليستقل قطارا آخر يوصله إلى مبتغاه، وقد أضطر أنا لفعل ذلك!.
إن إدراكي لهذا الواقع يا عزيزتي لا يجعلني أتوقع الكثير من الآخرين بفضل الله، بل يجعلني ممتنة للمدة الجميلة التي قضوها معي وقضيتها معهم، وممتنة لتلك الذكريات التي تركوها في جعبتي. كما أن إدراكي لهذا الواقع يجعلني ألتمس الأعذار للآخرين دوما، فليس خائنا ولا ناكرا للجميل ذاك الذي اختلفت خطط سيره عن خطة سيري فاضطر للنزول! وليس من الحكمة أن أبكي على أحدهم بجزع وحزن ويأس.. خاصة وأن أعمارنا قصيرة، وثمة لقاء أبدي في مكان سرمدي ينتظرنا هناك في ضيافة الرحمن بمشيئة الله.
فلم الاستوحاش والقلق؟ ولم الشعور بالتعرض للخيانة والظلم؟ لم نحزن على تنكر الأصدقاء وانشغالهم عنا؟ فالأمر أبسط مما نظن ونخمن، لأن رحلتنا في الحياة أقصر مما نتوقع، والمسافر الفطن ينبغي ألا يشغله سوى الوصول إلى هدفه ومبتغاه بسلام وأمان.

 حفصة اسكندراني