الخميس، 12 مايو 2016

انْهضْ عنْ فرَاشِ مرِضِكَ وقُلْ: إنّي أَرى الفَجْرَ آتٍ!

انْهضْ عنْ فرَاشِ مرِضِكَ وقُلْ: إنّي أرى الفجر آتٍ رغم جراحي, رغم ضعفي, رغم آلام روحي, وأنّات كل خليّة في جسدي!.
قل: إني أراه من هنا.. من فراشي الحزين الذي تناثرتْ حوله أقراص الدواء, وحولها تبعثرتْ حفنة من توقعات الأطباء المتشائمة, والقليل من توقعاتهم المتفائلة.
إني أرى الفجر آتٍ من حيث أقف في قلب الظلام الموحش الذي لم يزل يحاول اغتيال روحي, ونهش ما تبقى من العافية في جسدي.
إني أبصر الفجر حقا في الأفق البعيد يلوح لي ويستجديني كي أسمح له بالبزوغ!, نعم يستجديني لكي أسمح له بالفكاك من قيوده!!, إنه فجر لا يشبه الفجر الذي ألفناه كل صباح, إنه فجر يبزغ عليك إذا ازددتَ يأسا ووُغولا في مستنقعات البلاء, وكلما أحسنتَ تصويب سهام الدعاء فأسمعتَ حاجتك السماء = كلما ازداد فجرك اقترابا, وكلما رفعتَ رأسك مبتسما متفائلا تتجاهل واقعك البئيس = كلما زحف الفجر نحوك ودنى, وكلما زينتَ لوحة الأفق التي تفصل بينك وبين فجرك بصور لمبتلين قبلك فرج الله كربهم, وشفى أسقامهم, وألبسهم العافية = كلما أوشك صبحك أن يبتسم, وكلما ملأتَ كل المسافات التي بينك وبين السماء بالاستغفار, والحوقلة, وشكر الله, والتسبيح بحمده = كلما أوشك الظلام حولك بالأفول والذبول.
وحدك من بيدك استجلاب فجرك واستعجاله إذا استعنتَ بربك وآمنت به وبآياته وأحسنت التوكل عليه.
فإن ملأتَ قلبك بالرضا, وروحك بالتفاؤل، وعمرتَ لسانك بالذكر والاستغفار، وشغلتَ أعضاءك بحسن العبادة، وسائر أوقاتك بتلاوة كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار= فهل تظن حينها أن ربا أريته حسن الظن به خــــــــــــــــــــاذلك؟؟؟!!!
لا والله لن يخذلك وهو الرحيم الودود مجيب دعوة المضطر, الذي وسعت رحمته كل شيء.
 صدقني ستخرج ـ يا أخي ـ وستخرجين ـ يا أختي ـ بإذن الله من محنة المرض حتما؛ فلكل كرب نهاية وإن طال مكوثه.
 ولكن لم لا نرتقي بطموحنا قليلا؛ فيشغل الواحد منا تفكيره: كيف سأخرج من هذه المحنة رابحا؟؟ بدل أن يخرجه الله منها خاسرا ـ لا سمح الله ـ , فثمة أناس فشلوا في الاختبار بامتياز, ومع ذلك شفاهم الله وعافاهم وزادهم قوة ليزدادوا طغيانا وفُجرا, فهل يسرك أن تكون منهم ولو حُزتَ كل نعم الدنيا؟, كلا والله.. نسأل الله السلامة لنا ولكم وللمسلمين من كل بلاء.

حفصة اسكندراني
المملكة العربية السعودية

حرر 2 شعبان 1437هـ

الثلاثاء، 3 مايو 2016

حين ابتهجتْ جارتي بقربه! (قصة حقيقية)

كنتُ في زيارة جارة لي تعرفتُ عليها حين سكنتُ مدينة الطائف مطلع هذا العام، ولم يكن تعرفي عليها قد تم في ظروف اعتيادية؛ بل كانت قصة عجيبة؛ فمنذ خمسة أشهر تقريبا سمعتُ ذات ليلةـ صوت بكاء امرأة يتسلل عبر نافذة غرفة نومي، كانت تتحدث بلغة غريبة, وتبكي بكاء مريرا، لم أستطع تجاهله وقد أرق مضجعي وأزال النوم من جفني، فأخبرت زوجي برغبتي في تلمس الطريق إلى منزلها لأستطلع أمرها؟, فحذرني؛ فنحن لا ندري طبيعة ما يحدث؟ وهل ورائها رجل؟ وهل هو من يؤذيها؟ ومن يكونان؟، فأذعنت لرأيه حتى غفوتُ متلفعة بقلقي وانزعاجي.

وفي الصباح حين خلا علي المنزل سمعتُ بكاءها ثانية وبنحيب مرير يقطع القلب ويدميه، فحسمتُ أمري ونزلتُ إليها (حيث أن الصوت ينبعث من الأسفل) وأنا متوجسة، واحترتُ أي باب أطرق؟، وحين فُتح الباب الذي خمنتُ أنه هو؛ ظهرتْ فتاة سمراء في الثامنة من عمرها تقريبا وخلفها أمها الشابة تحمل رضيعة وعليهم آثار بكاء وفزع، فعلمتُ أنني وصلتُ إلى حيث أريد. فأخبرتهم أني جارتهم الجديدة, فأدخلوني بتوجس ظاهر وهم لا يعلمون أنني أبطن أضعافه، فها أنا أدخل بيتا لا أعرف أهله دون أن أترك خبرا ورائي, لكن حجم المأساة التي تقطر من نحيب المرأة كان كفيلا بإقناعي أن ثمة انسان يحتاج لمن يسانده في الحال.!.

 تحدثت مع الأم بلطف أسأل عن الحال فإذا بها لا تتحدث العربية!، فالتقطت ابنتها الحديث بالفصحى وترجمت الحديث بيننا، ومنذ ذلك الحين وهذه الفتاة الصغيرة تتولى ترجمة حواراتنا بتمكن رغم صغر سنها.

أخبرتهما أنني جئت لأني أسمع صوت بكاء امرأة من منزلي, فماذا حدث؟, فانفجرت المرأة باكية بذات الحرقة التي كانت تتسلق نافذتي, فانقبضتُ.

قالت الصغيرة: لقد قبضت الشرطة على أبي وأودعوه السجن, وليس لنا أحد هنا نعرفه ويعرفنا, ولا نعرف ماذا نفعل أنا وأمي وأختي الرضيعة وأخي هذا (3سنوات)؟!
ومنذ ذلك اليوم وهذه الأسرة المكلومة في دوامة هذا الابتلاء المرير تعاني ليل نهار, ولايزال والدهم الذي يعمل في ورشة لإصلاح السيارات في انتظار حسم أمره, حيث قبض عليه يحاول فك اشتباك بين متخاصمين, وربما ناله نصيب منهما, وأيا ما كانت التفاصيل فالمحصلة أن وراء هذا الرجل البسيط أسرة ضائعة, وزوجة ضعيفة جبانةلم تخرج من منزلها منذ قبض عليه حتى هذه اللحظة, ولم تر الشارع ولم تكتحل عينها برؤية قرص الشمس الذي نراه كل صباح لأنها تسكن في (بدروم) المبنى, وأظنها ستحتاج هي وصغارها لتأهيل وعلاج نفسي حتى يتمكنوا من العودة للاختلاط بالناس والخروج من سجنهم الاختياري في حال عاد إليهم أبوهم.
ومرت الأيام وكلما تحدثت معهم أو هاتفتهم قالت لي الصغيرة: أرجوك صلي كثيرا لأبي حتى يخرج! (تقصد: أدعي له), فلا تزال العبارة تتردد في مسمعي بكل انكسار ورجاء وألم تحمله.. فرج الله كربهم وكرب كل مسلم.

الشاهد من قصتي أنني أثناء زيارتي لهذه الجارة بالأمس, سألتهم عن حال أبيهم, وكالعادة لا جديد في قضيته, فلايزال ينتظر المحاكمة. ورغم مرور أيام طوال على بداية حزنهم عليه إلا أن سؤالي هذا كفيل بإعادة الحزن إلى محياهم, فتتلاشى البسمة التي تعبر عن ابتهاجهم برؤية كائنات بشرية مشابهة لهم, ويحل محلها الألم والانكسار, لكن الجميل أن الله قد قيض لهم بمنه وكرمه قلوبا ترق لحالهم فتتسابق لسد حاجتهم ومتابعة أحوالهم.. أسأل الله أن يبارك فيهم ويضاعف أجورنا وأجورهم.

قلت في نفسي:لأبث فيهم روح الاستبشار, فقلت للمرأة التي تنهدت بعمق: لا تيأسي من روح الله فلعل فرجا قريبا يلحقكم فتجدونه بينكم قبل شهر رمضان المبارك! فتهلل وجه المرأة وقالت: آميين.
ثم قالت لي الفتاة مترجمة حديث أمها: أنا أصلي له كل يوم, وأستيقظ في الثالثة قبل الفجر لأجل ذلك.

فقلت لها وقد علمت أنها حتما تعلم بأفضلية هذا الوقت: أحسنت! إنه الوقت الذي ينزل فيه الله إلى السماء القريبة منا ليسأل هل من داع فأستجيب له؟.
والله ما أتمت الصغيرة الترجمة حتى هللت الأم وكبرت مبتهجة, فقلت في نفسي: عجبا أولم تكن تدري؟!

ثم انشغلت مع الابنة في حديث آخر, وفجأة وجدت المرأة تهذي بشيء وتبكي وهي تحدق في زاوية السقف مبتسمة, فسألت ابنتها ما بها؟ وأنا والله خائفة أن تقول لي: ولم إذن لم يستجب الله دعائي وهو ينزل إلى السماء الدنيا ويسمع دعائي وبكائي كل يوم؟ حينها سأضطر لأشرح لها أن الله لا يضيع دعاء ندعوه, فهو إما يدخره أو يدفع به بلاء أو يستجيبه, وسأشرح لها أن الله حكيم, وأنه رحيم و... و... الخ وسأضطر للكثير من الشرح والايضاح, ولا أضمن أن أخرج بها سالمة من الوقوع في شُبه هذه المسألة.

لكن الصغيرة أجابتني وقد بددت هواجسي قائلة: إنها فرحة.. تشكر الله لأنه ينزل إلى السماء القريبة منا كل ليلة!!

إجابة الفتاة جعلتني أحدق فيها بتعجب وقد فرت الدماء من وجهي, ذهلت, ظللت للحظات أغوص في عمق أفكاري خارج نطاق المكان..

 لقد تجاوزت المرأة في ثانية واحدة كل المساحات المشكلة في هذه المعلومة الجديدة لترقى إلى ما هو أعلى وأعمق مما أتصور! إنها تشكر الله لأنه ينزل إلى السماء الدنيا!.. استشعرتْ نعمة قربه فاستعبرتْ, ثم راحت تشكره! فعجبا..

ترى كم منا شكر الله لأنه ينزل الى السماء الدنيا بغض النظر عن كونه تبارك وتعالى استجاب دعاءه أم لا؟
ترى من منا توقف ليتعامل مع هذه المعلومة بالشكر والابتهاج الذي رأيته على وجه هذه المرأة المنكوبة؟
السواد الأعظم منا يشكر الله على استجابته للدعاء, لكنها تشكر الله لأنه يقترب منها فحسب!..

كم يفوتنا ادراك لفتات رقيقة كهذه في غمرة الحياة!, للأسف لقد أخذنا الكثير من معلوماتنا الدينية كمسلمات, لم نتعامل معها بحرارة, ولم نستقبلها بالشفافية والرقة التي استقبلتها بها هذه المرأة رغم أنه لـمّا يستجاب دعاؤها بعد.. فكيف بها إذا استجاب الله دعائها؟.
لقد وافقت في صلاتها ـ دون أن تدري ـ وقتا فاضلا كهذا.. ترى كم متعلم مثقف صاحب علم شرعي, يشار إليه بالبنان.. وهو يحفظ هذا الحديث القدسي بنصه وربما بتخريجه, لكنه مع ذلك لا يصفّ قدميه في هذه الساعة المباركة ليرفع يده إلى خالقه فيقول: أنا يا رب لي حاجة فاستجب دعائي!!. 

انتهت زيارتي لجارتي.. ولاتزال أحداث الموقف وصورة المرأة حاضرة أمامي ناظري, حتى أخجلتني, لقد ذهبتُ اليها وأنا أنوي أن أغرف لها من وعائي شيئا من النصيحة لتتصبر بها, فإذا بها هي من تعبئ وعائي بشيء من الرقائق والحكمة! هكذا هي الابتلاءات.. ترتقي بمن شاء الله له الارتقاء, فتأخذه إلى مراتب عليا من الايمان واليقين والاحسان, حتى أن المتأمل ليستيقن أن الابتلاء الذي يصيب المؤمن حقا كله خير.

فاللهم فرج هم هذه الأسرة بمنك وكرمك ورحمتك, واجز كل من سعى في خدمتهم ببركة يلقاها في حياته وبعد مماته واغفر له ولوالديه, اللهم وفرج هموم عبادك المسلمين المستضعفين في سوريا وفي اليمن وفي كل مكان, اللهم لا تخيب رجاء عبد دعاك وما له أحد سواك, اللهم اربط على قلوبهم, وبصرهم بلطائف حكمتك, برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.


بنت اسكندراني