الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

ومرّ عام على فراقك أمّي!!




في مثل هذا اليوم الموافق ٢٠ من شهر ربيع الأول من العام الماضي ١٤٤٢ه توفيت والدتي الحبيبة الشيخة الدكتورة فاطمة إبراهيم المقرئة بالمسجد النبوي الشريف رحمها الله تعالى.
لا أعرف كيف مر الوقت سريعا هكذا؟!!
لازال بعض إخوتي يخطئ إذا سُئل: متى توفيت والدتك؟ فيقول قبل خمسة أو ستة أشهر.. لا أكثر!!

لقد مرّ عام كامل!.. لكن أحداث ذلك اليوم لازالت ماثلة أمام أعيننا.

لقد تيقنت أن أيام الحزن تمضي ببطئ حتى لو تسارع مرور أيامنا العادية! ، فللحزن زمن مختلف، لا يمضي كما الأيام تجر بعضها بعضا.. وإنما تراه عند البعض يمشي الهوينا ثم يتكئ ويتوقف قليلا ثم يكمل طريقه بذات البطئ وذات الوهن!

والبعض يتوقف بهم زمن الحزن تماما.. فتراهم في المربع الأول للصدمة ولو بعد أشهر وأعوام!
فالله وحده المستعان.

نعم فقد أحد أحبتك موجع لا شك، لكن طول مدة تألمك على فقده تزيد وتنقص بحسبه قربه منك وأهميته في حياتك!.. ومن تجربتي هذه أدركت أن فقد الأم ألم لا ينتهي بمرور الزمن.. فقد تهرم وجراحك بعد لم تلتئم! بل وستكون مستعدا في كل موقف ترى فيه أحدا يفقد أمه أن تتذكر أمك وتبكي فقدك لها حتى تدمي عيناك وتوجع فؤادك!.

لقد مرّ عام على آخر مرة كحلت عيني برؤيتك يا أمي.. لقد مرّ عام على آخر مرة لمست فيها بشرة جسدك الدافئ!
كل شيء حولنا يذكرنا بك، الأشياء والجمادات..
الماضي والحاضر.. حتى أمومتنا لأبناءنا تذكرنا بك في مواقف كثيرة لا تنتهي..  فأنى لنا أن ننساك؟!.. 

ومع اختلاف التاريخ العربي عن الميلادي فإن موعد فراق والدتي بالتقويم الميلادي لم يحن بعد، لكن تطبيقا كتطبيق الفيسبوك لا يفتأ يذكرني بمنشوراتي في مثل هذا الوقت من العام الماضي!
فهذه منشورات أعلن فيها دخول والدتي للمشفى، وأخرى أخبر أحبتها وطالباتها عن جديد وضعها الصحي، وثالثة ورابعة أبتهل فيها لله أن يشفيها.. ومنشور آخر أعلن عن دخولها العناية المركزة، وقريبا سيذكروني بمنشور إعلان وفاتها!
فواحرّ قلباه!! .. ولقد كنت قبل اليوم أتسلى بتذكير الفيسبوك لي بمنشوراتي في الأعوام الماضية لكني اليوم لم أعد كذلك! فتفاصيل الألم موجعة حد الانهاك.. فياليتهم يدركون ذلك!

وقد كان ممن هيج علينا الأحزان خلال هذا العام هو يوم مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بوالدتي مناقشة رمزية غيابية بعد وفاتها.. يومها كانت مشاعري متضاربة إلى حد بعيد، حتى أنها من المرات النادرة في حياتي التي يزاحم الحزن فيها الفرح بهذا العنف، حتى أنهما كان يقتتلان، وفي بركة الدماء التي تحت أقدامهما كنت هناك أتابع المعركة بضياع وأنا أستمع إلى إعلان نتيجة المناقشة ونيل والدتي درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى!.

لقد مر عام بطوله وعرضه وأحداثه التي لا تنتهي.. تجلى لنا فيه دروس وعبر، لعل من أبرزها أنه مهما كان ارتباطك بأمك واستئناسك بدعائها لك في كل مفصل من مفاصل حياتك ؛ حتى أنك حين توسدها التراب تشعر بالوحشة والضياع .. فاعلم رعاك الله أن الذي رزقك بها وألهمها الدعاء لك باق لا يموت! فوثق علاقتك بالله دون واسطة، وناجي ربك في النوازل وقل: يارب قد كنت ترحمني بدعاء أمي لي، واليوم أمي وديعة لديك!.. وأنا هنا بلا أم، غير أن لي رب رحيم، برحمة واحدة من أصل تسعة وتسعين رحمة جعلها بيننا رحمتني أمي ورحمتُها، بل وتراحمت الخلائق كلها، فكيف بالتسعة والتسعين جزءا ؟! 

فاللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم واغفر لنا ولوالدينا وارحمهما كما ربونا صغارا، اللهم أبدلهما دارا خيرا من دارهما واهلا خيرا من اهلهما، وادخلهما الجنة وأعذهما من عذاب القبر ومن عذاب النار، اللـهـم عاملهما بما أنت أهله ولا تعاملهما بما هما أهله، اللـهـم و آنسهما في وحدتهما وفي وحشتهما وفي غربتهما، وأنزلهما منازل الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا، اللهم واجبر كسر كل قلب فقد حبيبه، واجمعنا بأحبتنا وذرارينا في جنات النعيم على سرر متقابلين، واجعلنا من أهل هذه الآية ﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَاتَّبَعَتهُم ذُرِّيَّتُهُم بِإيمانٍ أَلحَقنا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَما أَلَتناهُم مِن عَمَلِهِم مِن شَيءٍ كُلُّ امرِئٍ بِما كَسَبَ رَهينٌ﴾.